جرحى وقتلى الحرب

 

وانتشت الشعوب وسكنت سورة المدافع وانتهت الحرب .

لقد كان ثمن السلام مرتفعًا جدًا حتى أن أحدًا لا يستطيع تقديره على التحديد .

الخبراء يقولون : إن النفقات العسكرية وحدها قد بلغت 1100 مليار دولار. أما الخسائر التي سببتها الحرب فقد بلغت 2150 مليار دولار. يضاف إلى ذلك المدن المخربة ، والأراضي المحروقة ، والحقول المغمورة بالمياه ، والمصانع والمناجم التي توقف العمل فيها ثم قطعان الماشية التي تمزقت وتبددت ، ولم تكد الحرب تنتهي حتى بدأت المجاعات والأوبئة تهدد كلاً من أوروبا وآسيا. بالإضافة إلى الملايين من المشردين والمهاجرين الذين لم يعودوا يعرفون لأنفسهم بيتًا ولا عملاً . وملايين آخرون من الجرحى والمشوهين كان عليهم أن يكافحوا طويلاً ليحيوا حياة عادية ولو في الظاهر على الأقل . ثم ملايين من المقاتلين عادوا إلى بلادهم سالمين ولكنهم شعروا أنهم قد أصبحوا في عالم غريب عنهم لا تربطهم به أية رابطة .

لقد كان سلامًا بالغ الصعوبة .

كان سلامًا يجتاج إلى عقول الملايين وسواعدهم وحسن نياتهم من أجل أن يسترد استقراره وأمنه الدائم وطمأنينته إلى المستقبل . والمؤلم أن البشرية لم تتعلم شيئًا من هذه الحرب الضروس . إنها لم تقنع بعدها بأهمية السلام ، وبعبارة أخرى بقيت البشرية عرضة لسلسلة من الفواجع الرهيبة في كل ميدان من الأرض وعلى كل مستوى من المستويات . لقد فرضت حدود جديدة لأكثر الشعوب . وظهرت تناقضات عنيفة بين معسكرات مختلفة . وانفجرت حروب محلية سببت الكوارث والآلام وصنعت سلسلة من المآسي .

 

إن العالم اليوم يعيش في أزمة الذعر من الحرب . وقد تبلغ هذه الأزمة درجة من الشدة يخيل لنا معها أن فواجع الحرب العالمية الثانية وأخطارها الرهيبة قد أصبحت شيئًا منسيًا في ذاكرة هذا العالم بالذات .

 

 

***

لقد خسرت البشرية في القرن الثامن عشر خمسة ملايين ونصف مليون من البشر، أما في القرن التاسع عشر فقد وصلت إلى ستة عشر مليونا.

وفي الحرب العالمية الأولى بلغت الخسائر 9ملايين و700 ألف قتيل، أما عدد الجرحى فقد فاق 22 مليوناً، والمفقودين 8 ملايين نسمة.

لكن الحرب العالمية الثانية كانت أكبر كارثة تمر على الإنسانية منذ فجر التاريخ، فقد هلك أكثر من 54 مليون شخص خلال المعارك والغارات، خسرت الصين قرابة الثمانية مليون، في حين خسرت ألمانيا ستة ملايين. بينما لم تخسر الولايات المتحدة سوى 292ألف جندي (أقل من الحرب الأهلية). أما بريطانيا ودول الكومنولث فخسرت 373 ألف قتيل عسكري (أقل من الحرب الأولى).

ومع أن ستالين كان قد قام في الفترة 1936 إلى 1938 ، بتصفية عشرة ملايين من شعبه قبيل الحرب إلا أن الاتحاد السوفيتي خسر خلال الحرب العالمية الثانية قرابة 25 مليون جندي ومدني.

لكن الأرض الأولى التي اشتعلت فيها الحرب كانت الدولة الأكثر خسارة في الحرب نسبياً، فقد خسرت بولندا قرابة ستة ملايين من سكانها أي ما يمثل 18% من سكانها عام 1939م.

لقد حاول القانونيون الوصول إلى قوانين للحرب تمنع الإبادة الشاملة أو تعطي حقوقاً للجرحى والأسرى والمدنيين، لكن هذه الحرب وما بعدها أثبتت أن كل هذه القوانينن إنما هي حبر على ورق .. لا أكثر.

وتركت الحرب خلفها عشرات الملايين من الجرحى والمعاقين والمشوهين من جميع الأعمار.

لقد طمرت الإنسانية والمباديء تحت أطلال دريسدين، تلك المدينة الألمانية الأثرية التي لم يكن للحلفاء أي مصلحة استراتيجية في ضربها، فهلك تحتها مئات الألوف بلا ذنب.

كما احترقت الأخلاق في أفران الغاز النازية، ودمرتها أخيراً القنبلة الذرية على هيروشيما.

لم تكن الرحمة لتمس قلوب المحاربين حتى على النساء أو الأطفال ..

 

 

معلومات سريعة :

*في 31يناير1945 كان الجندي إيدي سلوفيك هو الجندي الأمريكي الوحيد خلال الحرب العالمية الثانية (والأول منذ الحرب الأهلية) الذي أعدم بسبب فراره من المعركة ، المسكين سلوفيك كان شبه أمي وأعزباً. ويبدو أنه اختير كمثال من قبل الضباط القلقين من زيادة الفارين من المعارك.

     

  1. أصغر جندي بريطاني قتل خلال معركة حربية كان (غالي بوي) الذي قتل وعمره 14 سنة في 26أبريل1943، وذلك عندما ارتطمت سفينة بلغم ، وقد دفن وسط مراسم عسكرية في الدار البيضاء. ودفن بجواره المشير كلاود أوكنلك (1884-1981) الذي مات عن عمر يناهز 92 عاماً وهو بهذا يعد أسن من خدم في الجيش البريطاني ، مع ملاحظة الضباط البريطانيون برتبة مشير، رسمياً لا يتقاعدون .

 

 

الصفحة الرئيسية