الصحافة والإعلام في الحرب

 

في أواخر عام 1944 قام اليابانيون بإرسال 9300 منطاد ورقي يحمل ثلاثة أرطال من المتفجرات، وكانت الخسائر هي عائلة مكونة من ستة أشخاص أمريكيين، لكن أحدا لم يعرف بهذه الحادثة إلا بعد مرور سنوات على الحرب. وكان الغرض من إخفاء القصة هو التعتيم على اليابانيين.

هذا مثال يوضح حرص الحكومات المشاركة في الحرب إلى تخفيض كمية المعلومات المعلنة بقدر الحرص على تخفيض استهلاك السكر والحديد. ولو أخذنا الولايات المتحدة كمثال فقد بدأ ذلك الاتجاه كما بدأ كل شيء بعد بيرل هاربر.

فبعد يومين من الهجوم على بيرل هاربر التقى روزفلت بثلاثة من مستشاريه ليحددوا له ما هو المقدار من المعلومات عن الخسائر الأمريكية في هذا الهجوم الذي يجب إبلاغ الشعب به. وقال روزفلت حينها (لو أن اليابانيين لم يعلموا بمقدار الدمار الذي صنعوه في بيرل هاربر فلن أكون أنا من يخبرهم بذلك). ولهذا عندما ألقى روزفلت كلمته عبر موجات الأثير في أول خطاب له في فترة الحرب أخبر شعبه أنه لا يملك المعلومات الكافية لتحديد مقدار الخسائر بشكل واضح. وبعدها وزير الحربية الأمريكية فرانك كونكس بإرسال تقرير يوهم بأن الخمس سفن الحربية التي تم إغراقها أو تعطيلها في بيرل هاربر كانت في البحر تقوم بمهامها في البحث عن الأعداء.

في المقابل علم اليابانيون بمقدار الخسائر في بيرل هاربر قبل روزفلت، فكانت الأخبار في جميع صحف طوكيو، فكان الشعب الأمريكي هو الوحيد الذي لم يكن على دراية بما يحدث ، وما عرفت التفاصيل إلا بعد مرور أشهر من الهجوم. ولم تظهر الحكومة أسماء السفن الغارقة في بيرل هاربر إلا بعد نهاية الحرب.

كان أسلوب روزفلت في التعتيم الإعلامي هو الذي سلكته الصحافة الأمريكية خلال فترة الحرب، فكانت القاعدة عدم نشر أي معلومات مفيدة للعدو بغض النظر عن أثرها في الشعب أو ما لهذا النشر من إيجابيات.

ولهذا كانت أخبار الحرب دائما أخبار قديمة. كانت السفن تغرق و تحل الهزائم أو الانتصارات وتتغير موازين الحرب ولا يعلم الناس بأخبارها إلا بعد مرور أسابيع أو شهور. فغرق حاملة الطائرات يورك تاون في ميدواي كان في يونيو ولم يعلن عن ذلك إلا في منتصف سبتمبر. ولم تعلن الخسائر في الأرواح إلا بعد مرور سنة على الحرب، ولم تسمح السلطات الأمريكية بنشر صور القتلى الأمريكيين إلا في عام 1943.

وعندما أسقط الأمريكيون طائرة الأدميرال ياماموتو في عام 1943 لم يتم الإعلان عن ذلك حتى لا ينتبه اليابانيون إلى أن الأمريكيين قد استطاعوا حل شيفرة رسائل الراديو.

وعندما أجري اختبار تفجير القنبلة الذرية في لوس ألموس في صحراء نيومكسيكو، قام الضباط بإخبار الصحفيين بأن هذا تفجير لترسانة أسلحة خردة. وحتى بعد إلقاء القنبلة الذرية فلم يتم نشر أي إحصاء للخسائر أو ما سببته الأشعة على المدنيين إلا بعد مرور شهر من ذلك.

أما البحرية الأمريكية فكانت أكثر صمتاً، ومع أن الأدميرال نيمتز قد وصف انتصار ميدواي بأنه (نصر بحري هائل) إلا أن ذلك التعبير كان عادياً لدى الصحفيين الذين درجوا على إطلاق (النصر الهائل) على أي انتصار أمريكي. ولم تعرف حقيقة انتصار ميدواي وأنها نقطة تحول إلا بعد مرور أشهر عديدة على المعركة. وعندما طلب جورج مارشال من الأدميرال كنج أن يعقد مؤتمراً صحفياً يعطي فيه تفاصيل المعركة تجاهل كنج هذا الأمر.

حتى المعلومات التي في صالح الحلفاء لم تكن تعلن حتى لا تهز حماس الجبهة الداخلية، بل إن غارات الحلفاء على أوروبا لم يتم تغطيتها صحفيا. وحتى عندما أغار الأمريكيون على طوكيو أعلنت القوات الجوية أن القصف استهدف المناطق العسكرية ولم تعرف حقيقة هذا القصف إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها.

وبرر الحلفاء قصفهم المؤسف على مدينة در يسدين الألمانية بأنه خطوة لازمة لهدم معقل هتلر، بينما كانت مثل هذه الغارات تقوم بها القوات البريطانية خلال الثلاث سنوات المنقضية.

وغالباً ما كانت تصل الرسائل البريدية إلى أصحابها وهي مفتوحة ومكتوب عليها (فتح بواسطة الرقابة). فقد قام روزفلت بإنشاء مكتب الرقابة على المطبوعات الذي كان يراقب الرسائل البريدية المرسلة من وإلى الولايات المتحدة.

كما أنه كان يراقب المعلومات الصحفية، ومنع من أن تتعرض مثل هذه المعلومات للإنتاج الحربي أو لتحركات الجند أو لمواقع السفن أو خسائر المعارك الحربية.

وكان هذا المكتب يعمل أربعة وعشرين ساعة في اليوم، وحدد بايرون برايس مدير هذا المكتب اختصاصه بقوله (أن ما لا يخص الحرب لا يخص مكتب مراقبة المطبوعات).

وفي سبتمبر 1942 قام روزفلت بالتفتيش على القواعد الحربية في جولة استغرقت أسبوعين، وأخذ معه في هذه الجولة ثلاثة من الصحفيين ينتمون لأكبر ثلاث وكالات أنباء في أمريكا. ومنع هؤلاء من نشر أي كلمة إلى أن عاد روزفلت إلى مكتبه في واشنطن، وعلل روزفلت ذلك بأهمية سلامته الشخصية. فقد كان روزفلت يتجنب الظهور في المناسبات العامة. وقال يوماً ما لعمال أحواض السفن (أتعرفون، إنه من المفترض بي ألا أكون هنا معكم اليوم، لهذا فأنتم مؤتمنون على سر وجودي معكم هنا، هذا السر الذي لا تعلمه صحف الولايات المتحدة).

وفي عام 1942 أنشأ روزفلت مكتب المعلومات الحربية (owi) الذي كان له دور في تضييق خروج المعلومات إلى القوات المعادية بنشره شعارات مثل (بدفعك للضرائب نهزم المحور) أو (فلتات الألسن تغرق السفن). كما قام بتوجيه الشعب نحو دعم الصين والاتحاد السوفيتي. وصورت الزعيم الصيني شيانغ كاي شيك بأنه الشجاع الذي يحارب اليابانيين وحيداً، بينما كان في الحقيقة مهتماً بإقصاء منافسيه الشيوعيين أكثر من اهتمامه باليابانيين، وبالمثل كان ستالين الذي قام بقتل الأبرياء من شعبه أكثر مما فعل هتلر بهم. فصوره الإعلام على أنه المصلح المخلص.

وعندما عاد الجنرال ستل ويل من الصين بعد تسريحه من عمليه بسبب معارضته للزعيم الصيني شيانغ، قام بعقد مؤتمر صحفي لكنه لم يكن لوحده بل كان معه مراقب يمنعه من الإجابة على بعض الأسئلة التي يوجهها الصحفيون،كما ألزم الصحفيون بعدم نشر هذه الأسئلة التي يرفض المراقب الإجابة عليها.

وبسبب هذه العوائق اضطر بعض الصحفيين ملازمة الجنود في المعارك علهم يحظون بنقل بعض الأحداث حول الحرب ومن هؤلاء إيرني بايل.

لم يكن إيرني بطلاً، ولم يكن يبحث عن البطولة، لكنه في المقابل كتب مقالاته عن الجندي العادي وعن حياته وشعوره، عن ما يراه ويسمعه وعن ما يأكله ويشربه. وكان الحافز له على ذلك حادثة حصلت له في الشمال الإفريقي عندما قفز هو وأحد الجنود إلى أحد الخنادق بعدما قذفتهم طائرة مغيرة بالقنابل، وبعد مرور الطائرة التفت إلى الجندي وقال له (آه، لقد أوشكت أن تصيبنا) لكن الجندي كان قد فارق الحياة.

ومع أن الصحافة كانت المصدر الرئيسي للأخبار (700 مراسل عالمي، بينما غطى 400 مراسل أحداث غزو النورماندي)، إلا أن الإذاعة كانت منافساً عنيداً لها. فإذاعة سي بي أس (CBS) الأمريكية كان ثلث برامجها عن أخبار الحرب، وأما إذاعة إن بي سي (NBC) فقد زاد نسبة أخبار الحرب في برامجها المذاعة على الهواء مباشرة ليصل إلى 20 بالمائة عام 1944 بينما كان لا يتعدى 4 بالمائة قبيل الحرب.

وقامت هوليوود بصناعة السينما بشكل يتوافق مع متطلبات الحكومة و نظرتها للحرب، فأصدرت العديد من الأفلام السينمائية المتعلقة بالحرب في عام 1942، وعندما مل الناس من هذه الأفلام عام 1944اخرجت لهم أفلاماً تحلق بهم بعيداً عن واقع الحرب.

وشاركت الفرق الغنائية بإصدار العديد من الأغاني حول الحرب، لكن لم يكن لها الأثر المطلوب ونسيت بعد نهاية الحرب مثل أغنية (مع السلامة ياماما أنا رايح ليوكوهاما.

 

 

الصفحة الرئيسية