بيرل هاربر

في 7 ديسمبر 1941م

 

كان من الطبيعي أن يضع العسكريون اليابانيون خطة حرب قصيرة ومحدودة من أجل الوصول إلى أغراضهم الاقتصادية والسياسية. ولهم في الحروب الصاعقة التي أشعلها هتلر في أوروبا آية وعلامة على إمكانية تحقيق انتصارات سريعة بأقل خسارة ممكنة . وكما تعلموا من حروبه في أوروبا الغربية فقد اتعظوا من حربه في الاتحاد السوفياتي . إن الغارة المفاجئة التي كانوا يعدونها يجب في تقديرهم أن تبيد الأسطول الأميركي في بيرل هاربر وأن تضمن لهم السيطرة على مياه المحيط الباسيفيكي وأن تعد لهم الطريق لغزوات قادمة في الجنوب الشرقي الآسيوي . وتنص هذه الخطط على الطريقة التي تحافظ بها اليابان على مكاسبها العسكرية . إن اليابان بعد أن تنفذ خطط الغزو ستبادر إلى إغلاق المجال الذي تسيطر عليه بدائرة دفاعية بالغة القوة بحيث أن الأميركيين يمتنعون عن القيام بأية محاولة هجومية عليها بل بالتفكير في الهجوم لأن أية محاولة من هذا القبيل ستكلفهم خسارة هائلة في الأرواح البشرية . في ضوء هذا التخطيط كان العسكريون اليابانيون يأملون بعد توجيه الضربات المنشودة في إرغام الأميركيين على الدخول في مفاوضات سلمية تسمح لليابان بتقوية مجالها الحيوي وتوسيعه في الشرق الأسيوي .

وقد تقرر أن يكون الهجوم على بيرل هاربر دون إعلان حرب بحيث يسمح للامبراطور، حالة الفشل بشجب العملية كلها واعتبارها تصرفًا غير مسؤول صدر عن بعض المتطرفين من العسكريين .

وتم كل شيء في سرية تامة ولاسيما توقيت الهجوم الجوي والبحري الساحق الذي بدأ بالغارة على بيرل هاربر. ففي 22 نوفمبر 1941م تجمعت قطع من الأسطول الياباني بسرية تامة في خليج تانكان عند جزر ساخالين . هذا الأسطول كان مؤلفًا من سرب يقوده الأميرال ناغومو مؤلف من 6 حاملات طائرات ، 2 دوارع ، 2 سفن جوالة ثقيلة وسفينة جوالة خفيفة يتبعه عدد من الغواصات والطرادات وحاملات البترول للقيام بعملية التغطية . وقد أقلع الأسطول الياباني في 26 نوفمبر وتوجه بعيدًا نحو شمال جزر هاواي مع إصدار الأوامر المشددة بمنع كل الاتصالات اللاسلكية . وبعد ذلك بستة أيام أي في 2 ديسمبر وجه ايزوروكو ياماموتو الرجل الذي وضع خطة الغزو برقية بالراديو لأول مرة إلى ناغومو قال له فيها بالشيفرة : "إصد إلى قمة نيتاكا" وهي عبارة تعني الأمر ببداية الهجوم . وتحول ناغومو نحو جزر هاواي .

إن نصف بطاريات المدافع المضادة للطائرات كانت منزوعة السلاح . أما السفن فقد كانت راسية قرب الأرصفة في طمأنينة تامة . وكانت الطائرات العسكرية فوق مدارج المطارات في أواهو منسقة كأنها صفوف من البط فوق الماء تقف الواحدة وراء الأخرى في ذيل طويل

وارتفع الفجر هادئًا مشمسًا في هونولولو صباح يوم الأحد الواقع في 7 ديسمبر1941 . وفي تمام الساعة السادسة من ذلك الصباح أقلعت 353 طائرة يابانية من مدارج حاملات الطائرات التابعة للأميرال ناغومو على بعد 350 كلم شمالي منطقة أواهو . وفي تمام الساعة السابعة إلا الربع شاهد الطراد الأميركي وورد غواصة يابانية فبادر إلى إطلاق النار عليها ثم قذفها بالطوربيد . وأرسل قائد الطراد مباشرة علمًا بهذا اللقاء إلى رؤسائه

 

كل شيء كان هادئًا في ذلك الوقت . الناس يعدون في الشوارع أو ينتظرون طعام الإفطار أو يجلسون بمناسبة يوم العطلة فوق شرفات منازلهم . وإذا كان هناك قلق فهو قلق مبهم محصور في فئة كبيرة من فئات العسكريين

لم يكن الجو مثاليًا. كانت الريح تسير بسرعة 20 عقدة تحدث موجات ضخمة في مياه المحيط .

كانت الساعة الثامنة إلا 11 دقيقة حين أصدرت أمرًا بالراديو بالهجوم . وبدأ جهاز الراديو يرسل الإشارات المتفق عليها .

 

موجتان من الطائرات قامتا بالهجوم ، الأولى في تمام الساعة الثامنة إلا خمس دقائق . والثانية في تمام الساعة الثامنة وأربعين دقيقة. وكان كل شيء قد انتهى في العاشرة .

القاذفات المنقضة، والطائرات المطاردة المقاتلة، والطائرات الحاملة للطوربيدات كلها استطاعت أن تحيل بيرل هاربر إلى أكوام من الخرائب المحترقة .

عشرات السفن غرقت أو أصبحت في حالة عجز طويل ، بينها ثماني دوارع وثلاث سفن جوالة . مائة وثماني طائرات حطمت وهي جاثمة من 394 طائرة . القتلى بين الأميركيين 2500 قتيل منهم 1177 في انفجار السفينة أريزونا ، والمفقودون 960، أما الجرحى فقد بلغوا 1172 . وخسر اليابانيون في تلك المعركة 29 طائرة و55 رجلاً ، وغواصة واحدة وبعض غواصات الجيب . هكذا استطاع اليابانيون أن يتخلصوا بخطة محكمة جريئة من قسم كبير من القوات البحرية والجوية الأميركية في الشرق الأقصى .

 

واحتل اليابانيون جزيرة غوام ، وهي جزيرة غير محصنة بعد ضرب بيرل هاربر بخمسة أيام فقط ، لكن "ويك " التي كان يدافع عنها أقل من 400 بحار صمدت 16 يومًا ثم انهارت مقاومتها . والواقع أن هؤلاء البحارة قد استطاعوا أن يردوا محاولتين من محاولات إنزال الجنود في هذه الجزيرة أمام قوات تزيدهم مائة ضعف وطائرات أمطرتهم بوابل غير منقطع من القنابل. وفي المحاولة الثالثة انهارت قواهم تحت ضغط الأعداد المتزايدة من الجند والسلاح . وتم استسلام جزيرة "ويك " في 23 ديسمبر. وعلى ذلك لم يكن قد بقي وراء هذه الجزيرة بين هاواي والفيليبين غير مدواي .

 

 

وفي اليوم التالي ، وبعد أن عرف الشعب الأميركي بالغارة التي جرت فوق بيرل هاربر، وجد الرئيس روزفلت نفسه مضطرًا لإعلان الحقيقة أمامه . وقد توجه إلى الكونغرس بالرسالة التالية : أمس ، في 7 ديسمبر تاريخ سيبقى مسطورًا بخطوط العار هوجمت الولايات المتحدة عن سابق إصرار وتصميم وبصورة مفاجئة من قبل القوات البحرية الجوية للإمبراطورية اليابانية .

وأخذ الكونغرس رسميًا علمًا بذلك فلم يلبث بعد مناقشة قصيرة حتى أعلن الحرب على قوات المحور الثلاث

 

معلومات سريعة :

*الأدميرال هوسباند كمّيل قائد البحرية الأمريكية في بيرل هاربر و الجنرال والتر شورت قائد الجيش في بيرل هاربر، تم اتهامهما بالإهمال في أداء الواجب وتسريحهما من الخدمة في عام 1942م.

*بعيد الهجوم على بيرل هاربر وجد الأمريكيون ذوي الأصول اليابانية مضايقات عدة، حيث فقد كثير منهم أملاكهم مع أن ولاء معظمهم كان للولايات المتحدة الأمريكية، لكن في بداية 1943 تحرك رئيس الأركان الجنرال مارشال لاسترجاع حقوقهم.

* نهاية غير سعيدة :

الطراد الأمريكي فوينكس (العنقاء) نجا من الهجوم على بيرل هاربر، ثم خرج من معركة خليج ليات بأضرار بسيطة جداً ، وفي عام 1951 باعته الولايات المتحدة للأرجنتين الذي غيرت اسمه إلى الجنرال بيلغرانو ، وفي 2مايو1982 خلال حرب الفوكلاند تم إغراقه بطوربيد أرسلته غواصة بريطانية ‍‍!! حيث هلك 368 شخصاً.

 

 

الصفحة الرئيسية