الحملة على جزيرة كريت

لم يطل هدوء الألمان بعد غزو اليونان . لقد انطلقت القاذفات الألمانية "اللفتواف " تغير على جزيرة كريت وعلى قناة السويس بقصد إعداد أول غزو جوي يتم في الحرب عن طريق المظليين . والواقع أن الإنكليز قد بادروا إلى تحصين هذه الجزيرة خلال نصف عام تقريبًا . ولكن جهودهم لم تكن كافية ولا ذات فعالية . الجزيرة كانت محرومة من المطارات إلا القليل وكذلك من الطائرات والمدافع المضادة لها أيضًا . وقد لوحظ أن الألمان لم يتركوا للإنكليز فرصة للتنفس . لقد راحت طائراتهم القاذفة تدك مواقع الإنكليز الدفاعية في الجزيرة، مركزة جهودها فوق المطارات الثلاثة الموجودة فيها وفي الأماكن المعدة لإنزال المظليين . وقبل أن تنتهي المهلة التي حددتها القيادة الألمانية لقذف الجزيرة والتأكد من سكوت الأسلحة المضادة، أنزلت فرقة الهجوم الأولى لتستقبل فيما بعد موجات القوات الرئيسية المعدة لاحتلال الجزيرة . وتم الاستيلاء على مطار "مالام " الذي ينتظر أن يستعمله النازيون لإنزال النجدات المطلوبة .

ورغم أن القوات الإنكليزية كانت محرومة من الحماية الجوية أمام القاذفات الألمانية فإنها قد أحدثت بين المهاجمين الهابطين بالمظلات والطائرات الشراعية بعض الخسائر. وفي الوقت نفسه توجهت نحو الجزيرة ثلاث قوافل من السفن الألمانية عبر الدوريات البحرية الإنكليزية التي أرغمت إحداها على التراجع وأغرقت القافلتين الأخريين مع الخمسة الآف جندي الذين كانت القافلتان تنقلانهم إلى الجزيرة. وفي كل حال استطاع النازيون أن ينقلوا نجدات متتابعة دون توقف إلى الجزيرة المحاصرة عبر مطار "مالام" .

وبدأ التفوق الألماني يلعب دوره . واضطر الإنكليز للتراجع نحو شواطىء سباكيا في الجهة الجنوبية الغربية استعدادًا لمواجهة دنكرك ثالثة . وبين 28 مايو والأول من يونيو نجح الأسطول البحري الإنكليزي في ترحيل 16500 جندي ، تاركًا وراءه 13 ألف قتيل وجريح وأسير. كما فقد الأسطول ألفي رجل وثلاث سفن جوالة وطرادين وهو في طريقه إلى قناة السويس على بعد 600 كلم بسبب حرمانه من التغطية الجوية. كما استطاع الطيران الألماني أن ينزل الأضرار بدارعة واحدة وسفينتين جوالتين وثلاثة طرادات .

هكذا أصبح النازيون خلال شهرين اثنين وبخسائر قليلة سادة يوغوسلافيا واليونان . لم تتجاوز خسائرهم 2500 قتيل و9000 جريح أو مفقود . أما الانتصار في جزيرة كريت فقد دفعوا له ثمنا أعلى، 17 ألف رجل وطائرات كثيرة . ومنذ ذلك التاريخ أصبح في وسعهم أن يسيطروا على بحر إيجه وأن يهددوا أسطول كاننغهام في المتوسط الشرقي . كما أصبحوا على مقربة من تركيا ومصر والشرق الأوسط . هكذا انتهى هتلر من بلاد البلقان وبدأ يفكر في احتلال روسيا.

ويقدر الخبراء العسكريون أنه قد كان في وسع هتلر تغيير مجرى الحرب لوأنه تابع زحفه نحو الشرق الأوسط بدلاً من أن ينقض على روسيا . إن النهاية كان يمكن أن تكون شيئًا آخر. وبينما كانت الجيوش الألمانية تنقض على يوغوسلافيا واليونان في شهري أبريل ومايو بادر عملاء المحور إلى تنظيم انقلابات عسكرية في سوريا والعراق وإيران . ولو أن الألمان تابعوا خطتهم ونجحوا في وضع أيديهم على تلك المناطق الشرق أوسطية لحرموا البريطانيين من موردهم البترولي الرئيسي وعزلوا تركيا عزلاً تامًا ، والتي كان يحتمل آنذاك أن تعلن انضمامها إليهم . يضاف إلى ذلك أن بلاد الهند ستصبح معرضة لخطر شديد فتنقطع طريق التموين التي تمر عبر الخليج العربي بإيران .

لكن الإنكليز والفرنسيين الأحرار لم يقفوا مكتوفي الأيدي . لقد استولوا على سوريا والعراق في شهر يونيو وطردوا منهما أنصار المحور وأقاموا فيهما حكومتين مواليتين لهم .

وفي شهر أغسطس ، وبعد أن بدأ الهجوم الألماني على الاتحاد السوفياتي اشترك الروس والإنكليز في احتلال إيران ، وطردوا الحكومة الموالية للنازيين وضمنوا سلامة الطريق الإيرانية نحو البلاد الروسية .

 

 

 

الصفحة الرئيسية