الاستعداد للنورماندي

 

سنتان انقضتا على الأميركيين والإنكليز وهم يستعدون فيهما للانقضاض على قلعة هتلر الأوروبية . وقد وضعت خطة المعركة بكل تفصيلاتها الصغيرة والكبيرة . وقد تجمع فوق الجزيرة البريطانية التي تحولت إلى ورشة هائلة ومعسكر كبير مليونان من الجند ينتظرون إشارة الهجوم .

وبانتظار ساعة الصفر كانت القوات الجوية البعيدة المدى وذات الأغراض الاستراتيجية تقذف بقنابلها الخطوط الحديدية والطرق في فرنسا وبلجيكا كما كانت تضرب المصانع الألمانية وتحاول إضعاف الإمكانات الألمانية في البلدان المحتلة . وفي 6 يونيو عام 1944 أعطيت الإشارة.

اختيار هذا المكان بالذات بقي سرًا حتى الدقيقة الأخيرة

ومع ذلك فإن الألمان استطاعوا أن يكتشفوا مكان النزول وموعده . وهناك أكثر من ذلك . لقد كانت الجاسوسية الألمانية تعرف منذ يناير1944 بأن المقاومة الفرنسية ستتلقى إشارة الغزو بقراءة بيتين من قصيدة الشاعر الفرنسي بول فرلين عبر إذاعة ب.ب.س . البريطانية عنوان القصيدة هو أغنية الخريف : لتنهدات الطويلة لكمان الخريف .. تجرح قلبي بفتور رتيب ..

على أن الألمان رغم معرفتهم بهذه الحقيقة لم تكن لهم ثقة تامة بعملاء استعلاماتهم رغم أن أحدهم كان وصيفًا في السفارة البريطانية في تركيا . لكن همسات وفلتات لسان تسللت إلى الألمان عندما لم يستطع ضابط أميركي كبير أن يمسك لسانه . وفي مرة أخرى عرف الألمان بمكان الإنزال وموعده حينما أذيع بيان ببداية الغزو قبل اليوم المعين ببضعة أيام .

الألمان لم يقفوا مكتفي الأيدي . لقد كان المارشال جارد فون رانستد يتصرف بستين فرقة بينها عشر من فرق الهجوم . وهي معدة للدفاع عن الساحل الأوروبي الممتد بين هولندا والحدود الأسبانية أي على امتداد 900 كلم . وقد وزعت هذه الفرق إلى مجموعتين من الجيوش . مجموعة ب التي يقودها رومل والتي كانت تشتمل على الجيش الثامن والثمانين في هولندا والخامس عشر في البادوكاليه والسابع في نورمانديا . ومجموعة ج التي يقودها الجنرال يعقوب فون بلاسكوويتس جنوبي فرنسا. وكان الخلاف بين فون رانستد ورومل قد أتاح للحلفاء أن يلعبوا لعبتهم . إن رانستد كان يقدر بأن جيوشه غير كافية للدفاع عن الشواطىء الأوروبية وكان يعلم أن الكثير من فرقه قد جند رجالها من البلدان المحتلة كما كان يرى بأن جدار الأطلانطيك قليل العمق والمساحة وأنه بالتالي مزحة كبيرة . كانت خطته قائمة على فكرة الاحتفاظ بقوى احتياطية متحركة بعيدًا عن الشاطىء . وقد اختار من هذه القوى خير فرقه المدرعة وأعدها للقيام بهجوم معاكس بعد نزول قوات الحلفاء.

أما رومل فقد كان يرى أن الهجوم المعاكس يجب أن يتم قبل أن ترسخ أقدام القوات الحليفة . كان يقول دائمًا إننا سنربح المعركة أو نخسرها عند الشاطىء، والساعات الأربع والعشرين الأولى للغزو ستكون ساعات حاسمة . ورومل كان مقتنعًا بأن تفوق الحلفاء في الجو سيمنع القوات الألمانية والمدرعات الاحتياطية من الوصول إلى الشاطىء ولذلك فقد نصح بوضع المشاة والفرق المدرعة إلى جانب جدار الأطلانطيك .

وتبنى هتلر وجهة نظر رومل في نشرته الدورية رقم 51 والتي يأمر بها بإلقاء الحلفاء إلى البحر بصورة مباشرة .

والملاحظ أن رومل قد بادر إلى تقوية جدار الأطلنطي منذ تم نقله إلى الجبهة الغربية في نوفمبر من عام 1943 . وقد تمت التقوية ببناء أعشاش الرشاشات ورفع الأسلاك الشائكة وإقامة حقول ألغام والاستكثار من المدافع الكبيرة والصغيرة . بل فعل أكثر من ذلك فقد لغم جانبًا من البحر وزرع الجهات القريبة من الشواطىء بعقبات من كل نوع . أما فيما وراء الجدار فقد غمر الحقول ، بالماء ومد فوقها الأسلاك الشائكة لمنع المظليين من الهبوط فوقها. والواقع أن هتلر كان يحس إحساسًا عميقًا بأن عمليات الإنزال ستتم في نورمانديا بينما يؤكد قادته العسكريون بأنها ستتم في البادوكاليه .

ولم يتردد الحلفاء في تقوية أوهام القادة وتغذيتها بمسرحيات عسكرية وهمية من ناحية وبتوجيه الطائرات أو بعضها إلى سماء البادوكاليه لقذف مواقعها العسكرية بالقنابل . وقد تابع الحلفاء عمليات التضليل حتى بعد بداية عمليات النزول في نورمانديا. ولم يكتشف القادة الألمان هذه اللعبة إلا في 24 يوليو أي بعد بداية العمليات بستة أسابيع . وفي ذلك الوقت فقط قرروا نقل قسم من الجيش الخامس عشر الذي كان مجمدًا في منطقة البادوكاليه . وتم النقل بعد فوات الأوان .

 

 

 

الصفحة الرئيسية