احتلال الحلفاء لإيطاليا

4يونيو 1944م

 

وهنا بدأ يدخل في حساب الحلفاء عاملان رئيسيان بالنسبة لمراحل الحرب الإيطالية القادمة . أولاً - طوبوغرافية إيطالية ، ثانيًا - اختلاف وجهات النظر بين الحلفاء فيما يتعلق بخطة العمل الحربي في المتوسط . إن مرتفعات الأبينان تشكل السلسلة الفقارية لشبه الجزيرة . كل غاز يأتي من الجنوب يجب أن يفتح لنفسه طريقًا عبر 900 كلم من الهضاب والقمم . وعلى امتداد الطريق تقوم أنهار ومنخفضات ووديان هي بدورها حواجز وعراقيل يصعب اجتيازها . يضاف إلى ذلك وفي هذه الحالة بالذات أن الألمان قد عرفوا كيف يستفيدون من تلك الحواجز والعراقيل وذلك بتقويتها بمهارة وبتحويلها إلى حاجز يتعذر اجتيازه بصورة عملية.

وبدخول فصل الشتاء زادت المتاعب أمام الحلفاء . فإن الأمطار الخريفية قد ضخمت السيول وحولت الطرق إلى مستنقعات وجاء بعدها البرد والثلج والجليد لمضاعفة آلام القوات المسلحة .

وقد حاول كثيرون من المراسلين الحربيين أن يعطوا صورة دقيقة للموقف الحربي في إيطاليا آنذاك . لقد تحدثوا عن قسوة المعارك وتواطؤ المناخ والبلاد على القوات الحليفة ومصاعب السير في الطرقات التي تحولت إلى مستنقعات وأكوام من الوحول ، يضاف إلى هذا كله عدد متزايد من الهضاب والمرتفعات الصخرية التي يعجز الجنود عن اجتيازها إلا بشق النفس بينما يكون الألمان منتظرين فوق القمم لسحق كل محاولة تسلل تقوم بها الجيوش الحليفة .

ويقول بعض المراسلين الحربيين : " لذلك كنا مرغمين على الزحف والزحف أيضًا . إن فصيلاً صغيرًا من الجنود الألمان كان يستطيع أن يرد لمدة طويلة أقوى الحملات وأعنفها " .

يضاف إلى ذلك أيضا أن الأمطار الغزيرة جعلت الرجال خلال أسابيع طويلة في بلل دائم . كما كان هناك ألوف من الرجال يعسكرون ليلاً فوق القمم المرشوشة بالثلج وفي برودة تبلغ درجة دون الصفر. وأن ألوفًا أخرى من هؤلاء الرجال كان أفرادها يختبئون أو يتقوقعون وراء الصخور وفي داخل الكهوف .

ولكن نار الحلفاء كانت من القوة والكثافة بحيث أنها استطاعت أن تعوض في المدى الطويل عن المتاعب والآلام التي كانت تسببها تضاريس تلك الأرض الإيطالية ، وكانت مدينة روما هي الهدف التالي .

المركز الرئيسي لهذا الخط الدفاعي هو قمة كاسّان 3700 مترًا حيث كان الألمان يقودون قواتهم الموجودة في وادي ليري وروما . وفي أعلى القمة ينتصب دير سان بونوا الذي كان يمكن أن يكون مرقبًا مثاليًا لتوجيه نيران المدفعية على القوات الحليفة المتحركة في الوادي دون إضافة أية تحصينات إليه .

وبينما كان العام يقترب من نهايته استدعي أيزنهاور إلى الجزيرة البريطانية ليستلم فيها وظيفته الجديدة كقائد أعلى للقوات الحليفة في عملية "السيد الأكبر" وعين مكانه في المتوسط الجنرال الإنكليزي ميتلاند ولسن .

 

أما الان فقد أصبح حتمًا على الحلفاء تحطيم خط غوستاف الذي كانت قمة كاسا نقطة ارتكازله ،وكانت هذه القمة تدعى هضبة الداير وبتعبير آخر "هضبة 516" وهو التعبير الذي كان يستعمل في خرائط المدفعية. وقد قام الحلفاء بحملتين عنيفتين خلال يناير 1944م وفبراير دون أن يتوصلوا إلى تحطيم المقاومة التي كانت "تبديها الفرقة الأولى للمظليين الألمان . هذا مع العلم أن الدير القائم في أعلى القمة قد أغارت عليه 500 قاذفة حليفة ، ومع ذلك فإن هذا القصف المريع لم يحل دون صمود الجبهة الألمانية خلال فصل الشتاء كله . وفي 18 مايو رفعت كتيبة بولونية علمها فوق خرائب الدير في قمة كاسا . وفي 23 اجتاز الحلفاء خط غوستاف ، وبعد ذلك بيومين اتصل الجيش الأميركي الثامن بالجيش السادس وكان قد نجح في الخروج من رقبة الجسر في آنزيو . إن القوات الأمامية الحليفة قد استطاعت أن تخرق خط هتلر القائم على بعد 20 كلم وراء خط غوستاف ثم تساقطت آخر المواقع الدفاعية قبل روما بعد أن جرت اشتباكات شديدة في جسترنا وفيليتري وفالموتون . وهنا توجهت القوات الحليفة نحو العاصمة التي أعلنها الألمان مدينة مفتوحة وغادروها دون أن تصاب بسوء . ودخلها الحلفاء في 4 يونيو أي قبل بداية عملية "السيد الأكبر" في فرنسا بيومين وحسب .

هكذا لم تمض سنة واحدة تقريبًا بعد نزول القوات الحليفة في جزيرة صقلية حتى كانت إحدى عواصم قوات المحور الثلاث قد سقطت وكانت في الوقت نفسه صرخة انتصار التي أطلقها الرئيس روزفلت حين قال : "واحدة سقطت وستتبعها الاثنتان الباقيتان " .

 

معلومات سريعة :

- جنب الألمان روما الكثير من الدمار بعد إعلانهم لها بأنها مدينة مفتوحة، في المقابل وصف هجوم الحلفاء على دير كاسينو الإيطالي بأنه جريمة حرب. لم يضع الألمان تحصينات كثيرة في دير كاسينو، لكن عندما حولت قنابل الحلفاء الدير إلى أطلال قوى الألمان دفاعاتهم فوق هذه الأطلال ليمنعوا الحلفاء من أخذ هذا الدير. وفي 18مايو1944 أخذت القوات البولندية التابعة للجنرال ولاديسلاو أندريز هذه التحصينات واستولت على الدير، حيث رفع جنوده العلم البولندي فوق أطلال الدير.

- تم إسقاطموسوليني في 25يوليو من عام 1943، وفي 3سبتمبر قام خليفته المارشالبادوليوبعقد الصلح مع الحلفاء، مما سهل على الحلفاء النزول في شرق شبه الجزيرة الإيطالية، في مدينة ريجو وتورنتو.

وحتى يتمكن الحلفاء من تنفيذ العملية أفالانش قاموا بالإنزال على ساليرنو في الساحل الغربي للاستيلاء على نابولي.

- لكن الألمان تدفقوا واحتلوا إيطاليا وقاموا بالدفاع عن نابولي، لكن الجنرال كلارك استطاع الوصول إلى نابولي وأخذها في 1 أكتوبر. لهذا اضطر المارشال الألماني كيسرلنغ للتراجع خلف خط غوستاف في جنوب روما. وفي نيته أن يجعل غزو الحلفاء لإيطاليا صعباً وأكثر دموية مما توقعوا.

- لشهور حاول الحلفاء اختراق خط غوستاف ، لكن الحرب كانت عنيفة جداً، خاصة حول دير كاسينو ، فقد دارت هناك أربع معارك من يناير وحتى مايو1944 كان إجمالي القتلى والجرحى يتجاوز 175ألف من الجانبين.

- في 22يناير حاول 50ألف جندي حليف النزول في أنزيو ، وبسبب بطء الجنرال الأمريكي لوكاس فقد استطاع الألمان دحر جنود الحلفاء وإعادتهم إلى البحر.

- في مايو سقط دير كاسينو ،واستطاع الحلفاء التقدم من أنزيو، واستطاعوا دخول روما في 5 يونيو.

- تراجع كيسرلنغ إلى خلف خط جوثيك. وهناك دارت معارك عنيفة أخرى.

- في أبريل 1945 تراجع الألمان عبر نهر بو. وفي الثاني من مايو استسلموا.

- معارك إيطاليا كلفت الحلفاء 312ألفاً من القتلى والجرحى، بينما كانت خسائر الألمان 536 ألف.

 

 

الصفحة الرئيسية