الهجوم الكبير على الاتحاد السوفياتي

 

الساعة تدق الثالثة بعد منتصف الليل . اليوم هو الثاني والعشرون من يونيو عام 1941 . ثمانية آلاف قطعة من المدفعية الألمانية منتشرة بين البلطيك والبحر الأسود تطلق نارها بصورة مفاجئة . إنه تمهيد لعملية بارباروس : غزو الاتحاد السوفياتي .

قال هتلر عن هذه الحملة : "عندما تبدأ مسيرة بارباروس سيمسك العالم أنفاسه ". ثلاثة ملايين رجل كانوا ينتظرون عند فجر ذلك اليوم ساعة الصفر وهم مختبئون وراء الأشجار أو في مستودعات الحبوب ، ومتجمعون على امتداد الطرق الزراعية، كل ذلك من أجل اجتياز الحدود السوفياتية .

لقد بدأت أعظم حرب في العصور الحديثة.

لقد بالغ ستالين في إظهار الغفلة وحسن الظن . فراح يتصرف تمامًا على طريقة الفلاح الساذج . فلم يتردد في تزويد هتلر بكل ماكان يحتاج إليه من المواد الأولية الضرورية لصناعاته الحربية ومن الحبوب . لقد أرسل إليه حتى بداية عملية بارباروس مليون طن من الحبوب ونصف مليون طن من المعادن و 950 ألف طن من البترول . بل فعل ستالين أكثر من ذلك . لقد راح يتسوق المواد الأولية التي كان يحتاج إليها هتلر من بلدان الشرق الأوسط محطمًا بذلك الحصار الذي ضربه الحلفاء على القارة الأوروبية .

 

 

إن كل جزئية من جزيئات هذه الحرب الرهيبة الضروس درست بدقة وأعدت بعناية بالغة . كل شيء يجب أن يجري على مرحلتين .

أما في المرحلة الأولى فإن على الجيوش الألمانية المعسكرة في الجبهة الشمالية أن تنقض على لينينغراد، كما أن على الجيوش المعسكرة في الجبهة الوسطى أن تحتل موسكو ، وتأتي بعد ذلك مجموعة الجيوش الثالثة، في الجنوب لتحتل أوكرانيا مستودع الحبوب والحوض الصناعي الرئيسي للاتحاد السوفياتي .

أما المرحلة الثانية للخطة الألمانية فتقضي بمحاصرة الأجنحة الروسية فيما وراء موسكو . فإن تحقق هذا الهدف قبل شتاء عام 1941 م فإن على الجيش الألماني المظفر بعد طرده لبقايا الجيش الأحمر إلى سيبيريا أن يتمركز على امتداد خط طويل يبدأ من المحيط المتجمد وينتهي إلى بحر قزوين . . هكذا ينهار النظام السوفياتي في تقدير هتلر.

 

والواقع أن هتلر قد جمع لتنفيذ عملية بارباروس خيرة جنرلاته : فون بوك ، فون ليت ، فون رانستد، وبينهم بطل سيدان من غير طبقة الارستقراطيين الجنرال غودريان . إن الحرب الصاعقة التي جرت عام 1940م تتكرر اليوم في سهول روسيا البيضاء . حتى أن مقدمة القوات الزاحفة والمدرعة قد أصبحت في بعض القطاعات على بعد 100 كلم من الحدود الروسية في مساء يوم 22 يونيو.

المفاجأة كانت تامة بالنسبة للروس . ففي يوم 22 يونيو فقط استطاعت طائرات اللفتواف أن تحطم 1200 طائرة روسية أكثرها جاثمة فوق الأرض . ولكن هذه المفاجأة لم تكن حربًا صاعقة في كل مكان . ففي برست ليتوفسك استطاع ثمانية آلاف رجل أن يصمدوا للهجوم الألماني الساحق في حصنهم حتى شهر يوليو 1941م رغم المدرعات التي أحاطت بهم من كل مكان والطائرات القاذفة والمطاردة التي كانت تمطرهم حديدًا ونارًا في كل يوم بل في كل ساعة . وأما في دوبيسا من البلدان البلطيقية فإن مدرعات فون مانستاين قد اكتشفت دبابات روسية من طراز "ت 34" و"ك ف 2 ". وفي كل حال استمر تقدم الجيش الألماني في كل يوم . جيش فون ليب في الشمال يقترب من لينينغراد. وفي الجنوب يحاصر الرومانيون مدينة أوديسا . وفي 16 أيلول استطاع فون رانستد أن يحاصر في كييف جيش الجنرال بودياني والمفوض السياسي الملحق بجيشه نيكيتا خروتشوف .

أما في الوسط فان فون بوك يتقدم نحو موسكو . وقد أسر الألمان بين 22 يونيو وبداية أكتوبر رجالاً عدتهم مليونان . على أن خسائرهم هم أيضًا كانت كثيرة جدًا . فقد بلغت في نهاية نوفمبر 800 ألف رجل .

تقدمت جيوش هتلر خلال ستة أشهر داخل الاتحاد السوفياتي 900 كلم واحتلت من الأرض ما مساحته مليون ونصف كلم مربع . النازيون اعترفوا بأنهم قد فقدوا في هذه المعركة 740000 رجل بين قتيل وجريح ومفقود بينما اعترف الروس بثلاثة أضعاف هذا العدد تقريبًا أي مليونين . وبما أن الألمان قد زعموا أنه قد وقع في أسرهم ثلاثة ملايين من الجنود الروس فإن رقم ستة ملايين كخسارة إجمالية في الجانب الروسي يبدو معقولاً في نظر الخبراء .

 

أما اسم "بارباروس " الذي أطلق على الحملة الروسية والذي ظهر لأول مرة في نشرة توجيهية من نشرات هتلر بتاريخ 17 ديسمبر 1940م فهو أيضًا فكرة صادرة عن القيادة العليا . قد يكون اختيار الفوهرر لهذا الاسم لأحد سببين : أولاً، التوازي التاريخي مع فردريك بارباروس امبراطور الغرب الذي انطلق محاربًا من أجل قضية مقدسة منذ ثمانمائة عام وتقول الأساطير عنه أنه كان ينام خلال المعارك حتى إذا احتاج الألمان لمساعدته قام فحارب.

ثانيًا، أن كلمة "روسا" كانت تذكر هتلر بعلم البلشفية الأحمر. . . والآن . . . لم يعد سبيل إلى الشك : لقد قرر هتلر تنفيذ خطته التي وضعها بنفسه . ولن يغير رأيه احتجاج القوات البحرية أو البرية . لقد كان الجنرالات يقدرون أن الجيش الأحمر أقوى كثيرًا مما يقدره هتلر. ولكن الجنرالات في رأيه مخطئون .

وخلال الأشهر الستة التي مضت بعد ذلك حتى بداية الغزو فإن خطط العمليات خضعت لتعديلات كثيرة أجراها هتلر نفسه . كل هذه التعديلات كانت تعكس مفهومه لمعركة الغد. سيجري بين فلسفتين متناقضتين . لقد كان يرى أن لقاءًا

عنيفًا سيجري بين فلسفتين متناقضتين .

 

وعندما بدأت الحرب أعلن ستالين لشعبه بعد أن تلقى وعودًا جازمة من قبل الإنكليز والأميركيين بتقديم المساعدات المطلوبة، بأنه لن يكافح هتلر وحيدًا . ثم أمر باتباع خطة الأرض المحروقة في حالة التراجع . بحيث لا يجد العدو ما يستعمله ضد الجيش الأحمر .

 

والحقيقة أن انتصارات الألمان في الأشهر الأولى كانت انتصارات هائلة . في كل مكان من الجبهة سجلوا تقدمًا بين 300 و 600 كلم في شهر واحد . أما في الوسط فقد تميز فون بوك بمنجزات مدهشة . لقد خاض جيشه معركتين كبيرتين خلاك عمليات الإبادة عند مدينتي منسك وسمولنسك وقد أتاحت له هاتان المعركتان فرصة اعتقال عدد هائل من الأسرى . وقد اجتاز ثلثي المسافة إلى موسكو خلال 18 يومًا .

 

كان هتلر يسيطر على أكثر من ثلث الشعب الروسي ويتصرف بأكثر من نصف موارد الفحم والألمنيوم والمنغنيز وتراب الحديد والطاقة الكهربائية و45% من القمح ومصانع الخطوط الحديدية والمحركات وأكثر من ثلث الصناعات الكيميائية.

 

الصفحة الرئيسية