استعدادات الحرب

 

تكاد الحرب العالمية الثانية أن تكون الحصيلة الطبيعية للحلول والمواقف والاتفاقات التي انتهت إليها الحرب العالمية الأولى .

إن التقسيمات السياسية التي وضعت في مؤتمر الصلح والقرارات الانتقامية التي اتخذت ضد ألمانيا القيصرية والمضاعفات الاقتصادية التي نجمت عن الحرب مع ما يرافقها من تضخم في النقد وجمود في الأعمال وجوع وفوضى وخوف وشعور عميق باليأس ، كل ذلك سمح للشيوعية بأن تلعب دورًا كبيرًا في تعبئة الجماهير وفي تحويل اليأس الجماعي إلى طاقة حقد مدمرة ضد الطبقات الحاكمة وأساليب التفكير والعمل والتقاليد السياسية في المجتمع الألماني .

ولا ننسى بالإضافة لما سبق أن حرمان ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى من مستعمراتها الموجودة وراء البحار قد شارك هو أيضًا في خلق الأوضاع الداخلية المتوترة .

في تلك الأثناء وأمام الشعور بالمهانة الذي كان يشيع في نفوس أفراد الشعب الألماني بعد الهزيمة الساحقة في الحرب العالمية الأولى ، أصبحت جماهير الشعب الألماني دقيقة الحس مجروحة النفس مستعدة للاستجابة لأية دعوة عنيفة ملحة تحررها من شعورها بالهزيمة الذي يضغط على روحها ضغطًا شديدًا .

في صميم هذا الوضع ظهرت حركة أدولف هتلر الشاب المتحمس الذي كان يؤمن بقدر ألمانيا ، ويعتقد بان في وسع بلاده أن تبلسم جراحها وتبني نهضتها الجديدة وتعيد الحياة إلى اقتصادها الوطني ثم إلى صناعتها بصورة خاصة . وكان يرى في الوقت نفسه أن الحركة اليسارية المتمثلة في الحزب الشيوعي هى دعوة لتكريس التفاهة والمهانة وقضاء على كل مقومات العنصر الألماني .

وطبيعي أن يبالغ هتلر في تمجيد ألمانيا لإظهار حقيقتها أمام شعبه على أنها حقيقة الأمة الممتازة والمختارة التي كتب لها القدر أن تحكم العالم كله وأن تكون سيدة الشعوب .

إن النازية التي كانت تردد هذه العقيدة وتوحي للألمان بأنهم أمة الأبطال وأنصاف الآلهة كانت الرد النفسي للشعور الوطني العام بالمهانة أمام الهزيمة التي جاء بعدها الفقر والحرمان والفوضى ثم المرارة .

وسكر الشعب الألماني بهذه الدعوة الجديدة .

ومما لا شك فيه أن هتلر كان يعتبر الشعب الألماني شعبًا ممتازًا وسيدًا بطبيعة تكوينه . لقد حاول أن يستنهض همة هذا الشعب وأن يدفع به دفعًا شديدًا بمغامرات واسعة من أجل تدعيم وجوده الوطني واسترجاع المبادرة على الأقل وفي الدرجة الأولى في حياته الداخلية .

وقد ناصب هتلر العداء كل من كان يعتقد أنهم مصدر ضعف ألمانيا أو أنهم المتآمرون عليها . وكانت عداوته للشيوعية الحمراء مستمدة من هذه القاعدة التي اتخذها لنفسه .

 

وطبيعي أن يفكر هتلر في تحرير ألمانيا من القيود الدولية التي فرضت عليها في مؤتمر الصلح كتمهيد لتحقيق الوحدة الألمانية ، ولذلك فإنه لم يعتم حتى شجب اتفاقية هذا المؤتمر الذي كان يعتبره المصدر الكبير للمهانة الألمانية .

وبعد أن شجب هذه الاتفاقية توقف قليل ليتبين ردود الفعل في العالم الغربي ولاسيما فرنسا وإنكلترا . ولم يحدث شيء يدل على وجود أي خطر أو على استعداد العالم الغربي للقيام بإجراءات مضادة لإيقافه عند حده .

ومن هنا بدأ هتلر يحقق أهدافه التي تتناول وحدة ألمانيا قبل كل شيء . لقد كان يستعيد الأجزاء التي اقتطعت من بلده واحدًا واحدًا دون أن يشعر بتغير الموقف الغربي . كان على الضد من ذلك يحس إحساسًا قويًا بخوف الغربيين وتنافسهم على إرضائه وتسابقهم إلى الاتفاق معه حتى كان مؤتمر ميونخ الذي أصبح في نظر الغربيين آية مهانة ومذلة لهم وأصبح تشمبرلين رئيس الحكومة الإنكليزية بسببه عنوانًا على الاستخذاء .

وظن العالم أن هتلر سيكتفي بما استعاده من المناطق التي انتزعت من ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى . ولكن هتلر الذي مرت عليه سنوات وهو يعيد بناء جيش الريخ الثالث الكبير ويدعم الصناعة الثقيلة ويستغل العبقريات والكفاءات القومية من أجل بناء آلة الحرب الضخمة ، لم يستقر ولم يهدأ ، ولم تمض أشهر قليلة حتى انقض على تشيكوسلوفاكيا كلها . وسكت العالم الغربي أيضًا لأنه لم يكن في وسعه كما لم يكن في وسع أية قوة في العالم أن تواجه الآلة الحربية الألمانية في ذلك الوقت .

ولكن الثابت أن الغربيين كالسوفييت كانوا يشعرون جميعًا بتزايد الخطر الألماني ويعدون أنفسهم للحاق بألمانيا في بناء اقتصادهم الحربي . مع العلم أن الشعوب الغربية لم تكن تريد الحرب ولم تكن تجد فيها أية ضرورة قومية كما هو شأن الشعب الألماني . كانت الشعوب الغربية تريد السلام بأي ثمن وكانت طبقاتها الحاكمة تجد فى هذا السلام فرصة لمضاعفة ثرواتها في إمبراطوريات بلادها الشاسعة . فلفرنسا مستعمراتها في أفريقيا وآسيا وإنكلترا مثل هذه المستعمرات ، أما الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي فقد كان لهما من الأراضي الواسعة والثروات الضخمة ما يدفعهما إلى تجنب التفكير في إعلان حرب ضد هتلر . ولكن خطر هتلر جعل يتزايد . وكان الشيوعيون السوفييت أكثر إحساسًا به . ذلك لأن حكم هتلر في ألمانيا قد بني أنقاض الحزب الشيوعي الألماني الذي كان أقوى حزب في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وكان يضم خمسة ملايين من الذكور والإناث المتحمسين لهذه الدعوة . يضاف إلى ذلك أن الشيوعية السوفييتية كانت الكابوس الكبير في خيال هتلر الذي يحلم باستمرار بالقضاء على قاعدتها موسكو والاستفادة من ثروات الشعوب السلافية .

 

بعد تسلم هتلر رئاسة الدولة لم يزدد الجيش الألماني في العدد والتشكيلات العسكرية وتجنيد القوى الاحتياطية فحسب بل في التحسين والتدريب والمعنويات المرتفعة جدا

وأعلن بعدها هتلر عن عزمه على بناء جيش ألماني وقوة جوية ضارباً بمعاهدة فرساي عرض الحائط. وواصل مسيرته هذه رغم احتجاج بريطانيا وفرنسا .

وغفل الآخرون عن حلم هتلر الذي كان يعلنه ألا وهو بناء امبراطورية ألمانية تسيطر على أوروبا.

كان هتلر قاسياً دائماً ويتمتع بقدرة على الصبر واللامبالاة إزاء الآلام، فقد كان هتلر شجاعاً بصورة مذهلة أمام الألم الجسدي، إذ يستطيع أن يضع نفسه في حالة من الشرود لا يشعر من خلالها بشيء، وعندما احتاج مرة لجراحة سنية بعد استلامه لمنصب رئيس الوزراء، جلس وكأنه الحجر أثناء العملية دون تخدير الأمر الذي أدهش هيئة أركانه.

وكم أبدى هتلر استعداداً ليراهن بكل شيء في مغامرة واحدة، ولم يبد أي تأثر تجاه احتمال فشله. وذكر في أكثر من مناسبة : لو سقط الحزب النازي، فلن يقف مكتوف الأيدي ، وسيجر بالعالم إلى الهاوية.

شرع هتلر في عام 1935 بالتجنيد الإلزامي للجنود، وفي عام 1936 قام بأول تحد مباشر لقوات الحلفاء ولبنود معاهدة فرساي، إذ أرسل فرقتين عسكريتين من الجند إلى منطقة (الراين لاند) وهي منطقة تقع غرب نهر الراين منع الحلفاء تمركز الجنود الألمان عليها. ولم يحرك الحلفاء ساكن فلاقت اولى تحركات هتلر نجاحاً كاملاً.

 

فشلت محاولة هتلر في السيطرة على النمسا بسبب التدخل الدبلوماسي الإيطالي عام 1934 .

في عام 1938 قام هتلر بالضغط على رئيس الوزراء النمساوي للاعتراف الحزب النازي النمساوي رسمياً وتعيين النازيين بمناصب هامة في الحكومة. وعندما طالب رئيس الوزراء النمساوي باجراء استفتاء عام للبت في هذه القضية أرسل هتلر جنوده على الفور واحتلوا الأرض التي كانت مسقط رأسه.

في العام نفسه طالب هتلر باسترجاع اقليم ساديتنلاند الذي أخذه الحلفاء من ألمانيا حسب بنود معاهدة فرساي، ووافق الدبلوماسيون على اعطاء هتلر هذا الإقليم مقابل موافقته على عدم غزو تشيكوسلوفاكيا. لكن الحملة الدعائية الألمانية فككت تشكيوسلوفاكيا وبعد ستة أشهر ضمها هتلر إلى امبراطورية دون حرب.

لكن سياسة الحلفاء في المحافظة على رضا هتلر بدأت تتبدد، بينما كان هتلر يمهد الأرض للغزو القادم على بولندا، فقام بتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع روسيا .

 

تحالف هتلر مع موسوليني في فبراير 1936م وفي تصورهما أن باقي أوروبا إنما تشع من الخط الممتد بين عاصمتي بلديهما، وأطلقا على هذا الخط اسم (محور روما - برلين) فسميت بدول المحور.

 

 

الصفحة الرئيسية