الحلفاء يغزون ألمانيا

 

كانت خطة الهجوم النهائي ضد الريخ تشتمل على ثلاثة وجوه : التحطيم الجماعي للجيوش الألمانية التي كان يجمعها هتلر عند نهر الرين ، اجتياز نهر الرين مع الإحاطة بمنطقة الرور ، احتلال قلب ألمانيا والاتصال بالجيش الأحمر. لم يكن الألمان يملكون أكثر من 82 فرقة عسكرية يقابلون بها 85 فرقة من جيش الجنرال أيزنهاور ، يضاف إلى ذلك أن الفرق الألمانية قد انهارت معنوياتها بعد هزيمة الأردين . وقد تشبثت القوات الألمانية بنهر الرين واستندت إليه . ولكن وضعها قد ساء جدًا عندما قرر هتلر في شهر فبرايرمن عام 1945 أن يقيل فون رانستد ويعين مكانه المارشال البير كسلرينغ . أما خط فاترلاند فلم تبق منه غير الخرائب . وكانت طائرات الحلفاء تضرب في الوقت نفسه المصانع العسكرية في إصرار ودأب وقسوة كما كانت تضرب طرق المواصلات ووسائل النقل وبصورة خاصة معامل الوقود الصناعي ، هذه المعامل التي لم تعد تنتج ما كانت تنتجه من قبل بسبب فقدان مادة الفحم . والواقع أن ألمانيا كانت آنذاك قد فقدت كل مصادر البترول الطبيعي بحيث أن قواتها المسلحة لم تعد تحصل إلا على ربع ما تحتاج إليه من البنزين.

والملاحظ أن وجهات النظر المختلفة حول الاستراتيجية السياسية العامة كانت تجزء الحلفاء . فالإنكليز مثلاً كانوا يريدون الانقضاض على شمال ألمانيا وعلى امتداد جبهة ضيقة . ووراء إصرار مونتغمري على خوض المعارك في جبهة ضيقة عبر منطقة الرين وفوق سهول وستفاليا كان يختبىء خوف الإنكليز من أن يتقدم الروس الذين بلغوا نهر الأودر إلى موانىء بحر الشمال ، بينما يكون الحلفاء منشغلين بتطهير رينانيا في جبهة عريضة واسعة .

أما الأميركيون فقد كانوا يرون غير هذا الرأي . لقد كانوا يعتقدون أن العدو قد أصبح من الضعف بعد معركة الأردين وبعد هزائمه في الجبهة الشرقية بحيث أن أية حملة تتم على جبهة واسعة جديرة بالقضاء على مقاومته . ومن ناحية أخرى ، وبما أن الألمان كانوا يضعون القسم الأكبر من قواتهم غربي نهر الرين وبما أن احتياطييهم قد نفد تقريبًا ، فإنهم في الحقيقة لم يعودوا يملكون شيئًا يقاومون به تقدم الحلفاء في بلادهم بعد أن يكون هؤلاء الأخيرون قد طهروا رينانيا . وكان الأميركيون على حق في هذه المرة . والواقع أن أيزنهاور قد وافق على منح مونتغمري قيادة العمليات العسكرية الرئيسية على نهر الرين ولذلك وضع تحت قيادته 37 فرقة بما فيها فرق الجيش الأميركي التاسع . أما المجموعة الثانية عشرة لجيوش الجنرال برادلي التي تضم 25 فرقة فقد تلقت أمرًا باختراق المناطق الوسطى بينما تكون المجموعة السادسة لجيوش الجنرال جاكوف ديفرز منهمكة بتغطية برادلي ومونتغمري حتى ينجحا في اجتياز نهر الرين . كانت تصفية رينانيا هي الشيء الأول الذي يجب أن يقوم به الحلفاء . وقد تولى كل من الجيش الأميركي السابع والجيش الفرنسي الأول مهمة الإعداد لعملية التطهير هذه في جيب كولمار، وبتطهير الضفة الغربية للنهر بين الحدود السويسرية وستراسبورغ .

أما باقي الشمال فإن الجيش الكندي الأول والجيش البريطاني الثاني قد أخرجا العدو نهائيًا بين الموز والرين ثم انطلقا في حملة مشتركة على رينانيا . ولكن الألمان نسفوا سدود الرور لتغطية السهول المجاورة بالمياه . وقد تعثرت المدرعات الحليفة في سيرها هناك ووجدت صعوبات فائقة في اجتياز المنطقة

كما أن حملة الجيش التاسع على الجناح الألماني الأيمن قد تعثرت هي بدورها بسبب هذه المياه بحيث أن النازيين استطاعوا أن ينقلوا جهودهم كلها وقواهم إلى الجبهة البريطانية الكندية . وهنا وجد البريطانيون والكنديون أنفسهم ، وهم 11 فرقة منها فرقة المظليين المشهورة تحت نار ألمانية كثيفة . وكانت المعارك التي جرت في غابات ويتشولد وهوتشولد بين أعنف المعارك التي عرفتها تلك الحرب وأشدها هولاً . وفي تلك الأثناء كانت جيوش مونتغمري تدفع الألمان من الجهة الأخرى من الرين بفضل عمليات عسكرية نصف مائية .

وبعد أسبوعين ، في 23 فبراير ، وعندما هبط منسوب المياه أطلق سمبسون جيشه التاسع في المعركة وتم تطهير الضفة الغربية لنهر الرين في وسط آذار بين نيماغ ودوسلدورف .

وكان جيش هودجز الأول عند جناح سمبسون الأيمن قد احتل كولونيا المدينة الألمانية الرابعة بعد أن استولى على سدود الرين وكان ذلك في 7 مارس. وفي اليوم نفسه استولت فرقته التاسعة على جسر لودندورف في رماجن . فأمر هتلر عند ذلك بأن لا تهدم جسور الرين إلا في الدقيقة الأخيرة ليكون في الإمكان إيصال المؤن بصورة طبيعية وانسحاب الجيوش الألمانية بسهولة . ومهما يكن الأمر فإن النازيين لم ينجحوا في نسف جسر مارجل فثار هتلر وأمر بإعدام الضباط الأربعة الذين اعتبرهم مسؤولين عن ارتكاب هذه الخطيئة .

وأطلق الجنرال هودجز في الجبهة الأخرى من الرين خمس فرق من الجيش الأول فاستولت على المرتفعات التي تشرف على النهر وقطعت أوتوستراد فرانكفورت كولونيا . وهكذا تكون هذه الفرق قد احتلت رأس جسر طوله 45 كلم وعرضه 14 كلم ، حينما انهار جسر لودندورف عند نهر الرين .

وفي يمين هودجز كان باتون بجيشه الثالث يتصل بالجيش الأول في اندرناخ عبر تريف بين رماجن وكويلانس . كل رينانيا في شمال الموزيل أصبحت الآن تحت إشراف الحلفاء . ولم يبق منها غير المثلث سار- بالاتينا، في الجنوب . واجتاز باتون الموز بينما كان باتش بجيشه السابع ينطلق عبر خط سغفريد. وقد تولى كلاهما تطهير المثلث بحيث أن الحلفاء احتلوا الرين كله في 27 مارس. وبينما كان أيزنهاور يجمد الجيش الأول في رأس الجسر فوق منطقة رماجن بانتظار هجوم مونتغمري في الشمال

وهنا تابع الجيشان الأول والثالث الأميركيان هجومهما عبر رأسي الجسر في رماجن وابنهيم وتقدما إلى الأمام . وأحاط الجيش التاسع بطرف الرور الشمالي بينما فعل الجيش الأول مثل ذاك في الطرف الجنوبي وتلاقى الجيشان في لبستاد وتم حصار الرور. وقد استطاع الألمان رغم الخسائر الثقيلة التي نزلت بهم أن ينسحبوا بالقسم الأكبر من جيوشهم من الرين . أما في الرور فقد وجدوا أنفسهم محاطين من كل جانب .

وفي 18 أبريل تم في جيب الرور استسلام 325 ألف جندي . وقد انتحر قائد هؤلاء الجنود المارشال موديل وهو النازي المتعصب حتى الموت . وبعد احتلال السار وسيليزيا ثم الرور خسرت ألمانيا آخر مناطقها الصناعية الكبيرة . يضاف إلى ذلك أن قواتها المقاتلة قد قضي عليها تقريبًا . وهكذا يكون الحلفاء قد تغلبوا على كل عقبة في طريقهم إلى برلين

 

معلومات سريعة :

- واحدة من أكبر الكوارث في أوربا حدثت عندما ضربت 1200 قاذفة بريطانية وأمريكية مدينة دريسدين التاريخية الألمانية حيث دمرت 70% من المدينة . والمصيبة الأكبر أن هذه المدينة كانت مزدحمة بالمواطنين الفارين من خطر التقدم السوفيتي في شرق ألمانيا، مما رفع عدد الضحايا من 65ألف إلى ما يزيد على 130ألف قتيل.

 

معلومات سريعة :

* أمر هتلر بنسف جسور الراين ، وأعدم أربعة من الضباط بسبب فشلهم في ريماجين ، كما أمر في 19مارس بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة، أي تدمير كل ما يمكن أن يكون ذو قيمة للحلفاء عند تراجع الألمان، ويدخل ضمن ذلك المصانع والاتصالات والمحاصيل بل والمباني. لكن عدداً من القادة الألمان المتعقلين بقيادة وزير التسليح الألماني ألبرت سبير (1905*1981) ناضلوا في سبيل عدم تنفيذ هذه الأوامر.

 

* بعد عبور جيوش الحلفاء لنهر الراين حاصرت قوات الجنرال موديل في خندق الرور، وفي 17أبريل1945 قتل موديل نفسه، وكانت آخر أوامره بأن يقرر رجاله مايريدونه ، إما أن يحاربوا وإما أن يعودوا إلى بيوتهم وإما أن يستسلموا، قرابة 325جندي استسلموا من ضمنهم 30 جنرالاً.

 

معلومات أخرى :

الزحف الروسي

بدأ الروس زحفهم في 12 يناير 1945 م تحت إمرة الجنرال "كونييف" في جبهة أوكرانيا بينما كانت جبهة روسيا البيضاء بقيادة المارشال "جوكوف"

أما الجبهة الثالثة فكانت بقيادة "روكوسوفسكي" ، لقد زج الاتحاد السوفييتي بقواته كلها في المعركة

في 14 يناير تقدم الروس على طول الخط الممتد للبلطيق ولم يأت مطلع فبراير 1945 إلا والروس يتقدمون والألمان حلت بهم كارثة رهيبة .

 

درسين : هي مدينة ألمانية تاريخية رائعة لجأ إليها مئات الألوف من الناس هربا من قصف الحلفاء وكان عدم قصف درسين موضع اتفاق بين الحلفاء .

لكن في ليلة 13 فبراير هاجمت 245 طائرة من طائرات اللانكستر المدينة الجميلة وأسقطت قذائف ضخمة زنة الواحدة منها 4000 ليبرة ،ثم تلت الموجة الثانية 529 طائرة في الساعة 1.30 من نفس اليوم ، وتلتها عند الظهر موجة ثالثة ضمت 450 طائرة أمريكية

كان هدف القنابل ال650ألف هو المثلث الذي يغطي الحي التاريخي بأكمله

لقد تمخض عن قصف دريسد أفظع الأهوال حتى لقد اعتبر هذا القصف أفظع فصول الحرب ، أما الذين فروا للملاجئ فقد ماتوا خنقا وأما الذين تمكنوا من الفرار فقد اشتعلت فيهم النيران بشكل جماعي حتى إسفلت الشوارع اشتعل ، أما الأفظع من ذلك فهو اختيار مئات الأشخاص الموت الاختياري في مياه الألب غرقا على الحرق .

أربعة أيام احترقت فيها المدينة والتهمت 20كلم مربع ونصبت ست محارق كبيرة لحرق الجثث ، وقدر عدد الضحايا بحوالي 135 ألف فإذا الصيت لكارثة هيروشيما والفعل لدريسد

أحدثت هذه الكارثة ضجة في مجلس العموم البريطاني ، لكنه منطق الحرب والمصلحة الحربية فقط

 

ريماغين وهو جسر نسب إلى المدينة التي تقف خلفه ، كان هذا الجسر عبارة عن بناء معدني تحمله أربع دعامات حجرية وينتصب على جانبيه برجان من الحجر الأسود ، كان هذا الجسر يمثل أهم الاستراتيجيات لعبور الراين لألمانيا ، ودارت حوله معارك طاحنة حتى إذا سقط بأيدي الحلفاء اتهم هتلر الضبط الأربعة بالإهمال وحكم عليهم بالموت ونفذ الإعدام فيهم جميعا

جرت محاولات عدة لتدمير الجسر المشؤوم بالمدفعية البعيدة والألغام الطافية ، وقد وجهت إليه أكثر من 372 غارة كلفت الطيران الألماني 80طائرة ، ولم تجن هذه الجهود أي ثمار ، وتعاقبت الهجمات والهجمات المعاكسة ، وكان على الأمريكيين أن يستقروا فوق الجبال التي يستقر عليها الجسر ولكن الألمان قاوموهم في أرضهم شبرا بشبر ، وفي 17 مارس انهار الجسر غير أن النقابين الأمريكيين أعادوا بناءه وبناء جسور أخرى تدعمه

 

التقدم البريطاني والأمريكي :

تولى الفيلق ال15 المجهود الأساسي ففي يوم 18 مارس هاجم تحصينات خطوط سغفريد واستولى على دوبون وهامبورغ ، و أصبحت المدن الألمانية تتلظى جميعا ، وأصبحت هامبورغ مقبرة كبيرة ،

ثم قام الجيش البريطاني بقيادة مونغمري بعبور نهر الرين ، وراح حاجز الراين يتساقط من كل صوب واجتاح باتون وادي "مين" واستولى على فرانكفورت

لقد انتهت المعارك وزج بالآلاف من الأسرى بانتظار إجلائهم أما حرب العصابات التي كان ايزنهاور يرهبها فلم تتجل في أي مكان قط

- لقد أرهقت معركة (بلغ) القوات الألمانية المتمركزة على الحائط الغربي (خط سايغفريد) ، هذا الحائط كان عبارة عن مجموعة من التحصينات بعمق خمسة كيلومترات يمتد على كامل الحدود الألمانية الغربية. وكان له أثر كبير في تأخير التقدم الألماني .

- في مارس 1945 اخترق الحلفاء الحائط الغربي واتجهوا لعبور نهر الراين ، الحاجز الأخير الذي يحول بينهم وبين رايخ الألف عام .

- لم يكن هناك مجال للشك بأن الألمان سيقومون بتدمير كافة الجسور على النهر، ليحاول الحلفاء عبور النهر باستخدام مراكب الإنزال البرمائية فيكونوا تحت طائلة نيران القناصة الألمان.

- لكن .. في السابع من مارس وصلت دورية من جيش الحلفاء الأول إلى جسر تمر عليه سكة حديد لوديندورف ويسمى هذا الجسر بجسر ريماجين بالقرب من كولوجن.

- وصلت هذه الدورية في الوقت الذي كان المهندسون الألمان يحاولون فيه نسف الجسر. حيث انفجرت بعض القنابل عندما بدأت الدبابات وجنود المشاة في عبور الجسر، وبقي الجسر منتصباً. وبنهاية اليوم عبر ثمانية آلاف جندي هذا الجسر وانتشروا على الضفة الشرقية لنهر الراين.

- سمح هذا الوضع للحلفاء بإنشاء جسرين مرتجلين آخرين ، مع أن الطيران والمدفعية كانت تقصف هذه المواقع وكذلك أرسل الألمان صواريخ V2 بالإضافة إلى الضفادع البشرية الذين كانوا يخصون تحت الجسر حاملين الألغام لنسفه.

- ولذلك عندما انهار الجسر بعد عشرة أيام استمر الجنود والآليات بالعبور. وبعد ذلك بدأت المركبات البرمائية بالعبور لتأمين الضفة الشرقية للراين.

- بحلول شهر أبريل عبرت سبعة جيوش تابعة للحلفاء نهر الراين.

- فقد الحلفاء في هذا العبور 23 ألف رجل، بينما خسر الألمان 90ألف، وتم أسر 259ألفاً آخرين. وبهذا ظهر تماماً أن الحرب أوشكت على الانتهاء.

في الثاني عشر من يناير 1945م انطلق الروس في هجوم على الجبهة الوسطى وتم أخذ فرصوفيا في 17 يناير وفي أواسط فبراير بلغوا فرانكفورت وعلى بعد 70كم من برلين ثم سقطت فيينا عاصمة النمسا في 13 أبريل بعد معارك دامية في الشوارع .

 

وبينما كان الحلفاء يسيرون على الجبهتين من نصر إلى نصر كانت وجهات نظرهم المختلفة والمعلقة في مؤتمر يالطا تزداد حدة وشدة . فمن ناحية كان تشرشل وروزفلت قد وعدا ستالين بضمان أمن السوفيات من قبل حكومات صديقة في البلاد المجاورة لروسيا . ومن ناحية أخرى كانا من أنصار الانتخابات الحرة التي لا يمكن أن تخرج منها حكومات صديقة للسوفيات . لم يكن من المنتظر في أوروبا الشرقية آنذاك أن تحصل أية حكومة شيوعية على أية مساندة شعبية عفوية . فإذا لم توجه الانتخابات توجيهًا متفقًا مع تعهدات تشرشل وروزفلت فإن نتائجها لن تكون لمصلحة ستالين . وهنا أثار ستالين موضوع اقتسام النفوذ الذي وافق عليه تشرشل واتفاقات يالطا لكي يحصل على اعتراف إنكليزي أميركي بالسلطة السوفياتية في المنطقة. ولم يعترض الزعيمان الغربيان على امتصاص السوفيات للبلدان البلطيقية كما وافقا على أن تكون المبادرة للشيوعيين في كل من يوغوسلافيا والبانيا.

وحيثما كان الجيش الأحمر كان ستالين يستعين بالأقليات الشيوعية المسلحة ويمارس ضغوطه السياسية ليضمن لبلده حكومات صديقة في أوروبا الشرقية. وفي الربيع وصلت المفاوضات بين الشرق والغرب إلى طريق غير نافذ. ولم يبال ستالين باحتجاج تشرشل وروزفلت فأقام نظمًا خاضعة للنفوذ الشيوعي في رومانيا وبلغاريا وبولونيا، وحكومات غير شيوعية في النمسا وتشيكوسلوفاكيا والمجر ولكن الروس قد باركوها. أما فنلندا فقد استطاعت وحدها نسبيًا أن تحافظ على سيادتها الوطنية . وهكذا استطاع الروس أن يعيدوا بناء امبراطورية ألمانيا الشرقية دون الاهتمام بموافقة الحلفاء .

 

وكانت انتصارات الجيش الأحمر وتصلب السوفيات من الناحية السياسية وتجاهلهم لاتفاقات يالطا قد أحدثت خلافات عنيفة بين الانكليز والأميركيين أنفسهم . مرة أخرى كان على الغربيين أن يقرروا ما إذا كانت إدارة الحرب خاضعة لاعتبارات سياسية أو لأغراض استراتيجية محضة وبعبارة أخرى هل يكون الهجوم في ألمانيا ضيقًا أو عريضًا ؟ وكان تشرشل يتمنى في أعماق نفسه أن يشد على أيدي الروس في أبعد نقطة ممكنة من الشرق بعد أن بدأ القلق يساوره من تنامي القوة السوفياتية في أوروبا الشرقية . وبالتالي كان يريد أن ينطلق أيزنهاور إلى الأمام ويحتل من الأرض الألمانية أكبر قدر ممكن لتقوية الموقف الإنكليزي الأميركي في مؤتمر السلام القادم . وقد كان يهدف من هذه الطريقة ليس فقط التعرف إلى النيات السوفياتية التي كانت قد بدأت تثير شكوكه بل إلى اصطناع موقف يسمح له بالضغط على الروس في الوقت المناسب . كان تشرشل يعتبر برلين من الناحيتين السياسية والرمزية هدفًا أساسيًا . أما الروس فقد كانوا يتصرفون بالنسبة لبرلين خاصة كما لوأنهم قد ربحوا الحرب وحدهم ، لذلك كان تشرشل يكتشف أهمية احتلال برلين قبل السوفيات . وكان يأمل من ناحية أخرى أن يستتبع سقوط برلين نهاية المقاومة العسكرية من جانب الألمان .

أما أيزنهاور فلم يكن يرى أية أهمية لبرلين من الناحية العسكرية ولم يكن في نيته أن يخسر 100 ألف جندي مقابل لا شيء . يضاف إلى ذلك أن جيوشه كانت على بعد 300 كلم من برلين بينما كان جوكوف على أقل من 60 كلم . وبما أن مناطق الاحتلال قد حددت في يالطا من قبل الزعماء السياسيين فهو لا يرى معنى لضرورة احتلال مناطق في الشرق مما سيضطره يومًا للتنازل عنها للجانب الروسي . وهناك أيضًا المعلومات التي نقلتها إلى أيزنهاور دوائره الاستعلامية والتي تتحدث عن وجود خط نازي لخوض معركة هيستيرية من قبل الألمان في قلعة جبال الألب في بلغاريا . تلك المعركة التي تستهدف تطويل مدة الحرب للحصول على شروط سلام أكثر ملاءمة . وقد قرر أيزنهاور من أجل أن يقضي على هذا المخطط نقل هجومه الرئيسي إلى قطاع بعيد عن برلين حيث يجد مقاومة أقل ويكون في وسعه تحرير جناحه الجنوبي والقضاء على التجمعات الألمانية في بافاريا .

وفي يالطا سمح لأيزنهاور بتنسيق خططه العسكرية مباشرة مع الروس دون أن يمر بقيادة رؤساء أركان الحرب المختلطة . وفي هذه المرحلة الأخيرة من المعركة وجد أيزنهاور ضرورة اتخاذ قرارات بالسرعة الفائقة تجنبًا لأي اصطدام بين الحلفاء الغربيين والروس بينما تقترب جيوش الطرفين بعضها من البعض الآخر. لقد كان على أيزنهاور إذًا أن يتصرف بحرية . فأبرق إلى المارشال ستالين في 28 مارس ينبئه باستعداده لهجوم كبير على درسولا وعلى برلين ويسأله إطلاعه على الخطط الروسية . وقد وافق ستالين على تكتيك أيزنهاور ولكن تشرشل ورؤساء أركان حرب البريطانيين قد غضبوا وأعلنوا أن أيزنهاور قد تجاوز سلطاته بالتفاهم معه والاتصال به بصورة مباشرة . وقد سجلوا معارضتهم لخطط أيزنهاور؟ إن ما كانوا يريدونه هو التقدم نحو البلطيق في الشمال ونحو برلين في الوسط وإلى ما وراء الألب على طول الجبهة إلى أبعد حد ممكن لا إلى الجنوب كما أراد أيزنهاور. وحاول تشرشل إقناع روزفلت بإلغاء هذا القرار ولكن روزفلت ورؤساء أركان الحرب الأميركيين ساندوا أيزنهاور حتى النهاية .

مرة أخرى ينفجر خلاف عميق بين الحلفاء بالنسبة للأغراض العسكرية والسياسية في أوروبا . وكما أن تشرشل قد فشل في تدعيم مشروعه سابقًا لغزو أوروبا من جنوبها الشرقي للحيلولة دون احتلال الروس للقسم الأكبر من بلاد البلقان فقد فشل في هذه المرة أيضًا حين حاول أن يحد من امتداد النفوذ السوفياتي في أوروبا الوسطى .

 

انتحار هتلر

كان انهيار الريخ يقترب . وكان هتلر يدرك حتميته ومع ذلك فقد أصر على جر ألمانيا إلى الهاوية . قالى يومًا : "إذا خسرنا الحرب فإن على الأمة أن تهلك . هذه إرادة القدر. لا فائدة من السعي إلى أية عملية من عمليات الإحياء حتى أكثرها بدائية . . . إن الأفراد الذين سيبقون بعد نهاية الحرب سيكونون مخلوقات متخلفة منحطة ذلك لأن النخبة ستنتحر". وأمر هتلر بالاستعانة بسياسة الأرض المحروقة . ولأول مرة اتفق القادة العسكريون والصناعيون الألمان على رفض هذا الأمر .

 

في 25 أبريل استطاعت الجيوش الروسية أن تحاصر برلين. وقد حاول هتلر من مخبأ له قائم تحت بناء مستشارية الريخ أن ينظم معركة دفاعية متعصبة غير مفيدة.

وأخيرًا ، وبعد أن اقترب الروس ، وفي 30 أبريل على التحديد ، تزوج هتلر عشيقته إيفا براون وقتلها بالسم ثم أطلق في فمه طلقًا ناريًا . وفي المخبأ نفسه وضع غوبلز السم لامرأته وأطفاله الستة قبل أن ينتحر هو شخصيًا بهذا السم ثم أحرقت أجساد الجميع بتوصية منهم

وفي 2 مايو وبعد 12 يومًا جرت فيها معارك وحشية سقطت عاصمة الريخ بين أيدي جوكوف وكونياف

 

وثار الأنصار الإيطاليون في 25 أبريل واحتلوا المدن الإيطالية الرئيسية ولا سيما ميلانو وتورينو وجنوى ثم البندقية . وفي 28 أبريل وعند بحيرة كومو أوقفوا موسوليني وعشيقته كلارا بيتاتشي بينما كانا يحاولان اجتياز الحدود السويسرية فقضوا عليهما دون شفقة وحملوا جثتيهما إلى ميلانو حيث شنقوهما من أرجلهما في حديقة عامة . موقف الألمان كان موقفًا يائسًا . وكانوا يعرفون ذلك حتى أنهم حاولوا أن يفاوضوا الحلفاء الغربيين على حدة. وطبعًا فعلوا ذلك ليحولوا دون وقوع القسم الأكبر من جيوشهم بين أيدي الروس . ولكن الحلفاء واثقون من تفوقهم لم يقبلوا غير استسلام شامل .

 

وأخيرًا استسلم زعيم الريخ الجديد الأميرال الكبير كارل دونتز وتم التوقيع على الاستسلام دون قيد أو شرط في 7 مايو وفي مبنى القيادة العامة لأيزنهاور في ريمس بحضور كل الحلفاء . على أن الاستسلام لم يصبح عمليًا إلا في اليوم التالي .

وقد عقدت جلسة استسلام أخرى في 8 مايو بين خرائب برلين وهي الجلسة الوحيدة التي يعرفها الشعب الروسي . وانتهت الحرب في أوروبا بعد خمس سنوات ونصف . وكانت حصيلتها ملايين من الرجال الموتى وملايين من المشوهين أو اللاجئين الذين لا بيت لهم ولا وطن في قارة دميت ونزفت دماؤها حتى قاربت الانهيار. واختفى ريخ الألف عام . وكان مصير القادة النازيين والقواد العسكريين الألمان الموت أو السجن عند الحلفاء . هكذا كانت نهاية المأساة في قارة صنع بعض سكانها آلة الموت باسم التفوق العنصري والرغبة في استغلال شعوب العالم .

 

معلومات أخرى :

كان هدف الجيوش الحليفة هو الانقضاض على برلين وكان هذا أمرا لا لبس فيه في رأس تشرشل ، ولذلك ذهلوا عند تسلمهم مذكرة في 28-3-1945م موجهة من الجنرال أيزنهاور لستالين يطلعه على خططه الخاصة وفي مقدمتها التخلي عن غزو برلين

كان فحوى الكلام مؤلما للإنجليز لأن أيزنهاور اتفق مع ستالين في أمور مصيرية للحلفاء لم يستشر فيها مساعدوه البريطانيين ، وغضب رؤساء الأركان البريطانيين وأصروا على إبقاء برلين الهدف الرئيسي للحلفاء وإبقاء الجيش التاسع الأمريكي تحت إمرة مونتغمري بعد أن عزله أيزنهاور .

أما الروس فقد هاجموا ألمانيا شرقا فبلغوا البلطيق في 9 مارس وبلغوا على بعد 60 كلم من برلين في الثاني عشر من الشهر ، وفي بداية أبريل 1945م قصفت كونيغزبرغ فاستسلم قائدها أتولاش فحكم عليه هتلر بالإعدام غيابيا .

مني الجيش التاسع الألماني بخسائر كبيرة وعزل غودريان ، ودخل الروس برلين قبل جيوش الحلفاء من الغرب

 

* فيما كانت القذائف البريطانية تنهمر ليل 15-16أبريل على برلين كان 22 ألف مدفع بدأ يطلق نيرانه على المواقع الألمانية معلنة بداية الهجوم الحاسم ، لقد حشدت القيادة السوفيتية قوات هائلة مؤلفة من 20 جيشا و 150 فرقة و 2.5 مليون رجل و 41600 مدفع و6300 دبابة و 8400 طائرة وجمعت في ثلاثة جيوش بقيادة روكوسوفسكي و"جوكوف"و"كونييف" وقد تضمن نداء جوكوف (إلى الأمام أيها الجندي السوفياتي اجعل من تصرفك عبرة لا يرتجف لها ألمان اليوم فحسب بل نسلهم إلى الأبد ، لا تفسح للشفقة سبيلا إلى قلبك )

وبدأت المعارك الطاحنة وفي 20أبريل احتفل بعيد ميلاد هتلر الأخير .

عشية الكارثة كانت برلين تغص بالسكان بعدما دخلها 1.5 مليون لاجيء وكانت اللوحات تنتشر بكثرة "من يؤمن بهتلر إنما يؤمن بالنصر" ، اشتد القصف على برلين ، وكان على برلين أن تدافع عن نفسها ، حاول الجنرال كيتل وكبار القادة إقناع هتلر بمغادرة برلين ليتولى القيادة في مكان آخر ، لكنه رفض مغادرة برلين

بلغت مقدمات كونييف وجوكوف برلين وأصبحت خمسة أسداس برلين مطوقة ، وفي ليلة 26-27 أبريل أصبحوا على بعد 300 متر من المستشارية ، ولكن المدافعين صدوا المهاجمين ، كانت برلين لوحة مأساوية يعجز أي فنان عن رسم كل ما تشهده ، قذائف كالمطر ألسنة لهب أطول من ألسنة الكذب ، دخان يحجب عين الشمس ، طرقات مبقورة شاحنات سيارات جثث أشلاء منثورة في كل مكان أشخاص مشنوقون ، جنود مشردون ، أما دعاية غوبلز فقد كانت تنادي أن برلين أصبحت مقبرة الدبابات الروسية .

أمر هتلر بتشكيل الجيش الثاني عشر الجديد ليتولى صد الغزو القادم من الجيوش الغربية .

الغارات العنيفة دكت شوارع برلين وبيوتها ، كانت سحب الدخان تظهر على بعد أكثر من 100 كلم ، وتجعل من رابع تجمع سكاني في العالم كتلة سوداء من الخرائب والأطلال ، 70% من منازل المدينة دمرت ، دار المستشارية نفسها أصيبت ب،58 قذيفة .

دخل القادة على هتلر: غورنغ ودونتز وهملر وكريبز ، عرضوا عليه الواقع بالأرقام فصاح فيهم أرقامكم لاتهمني ما يهمني هو أن تنفحوا جندكم بعصبية الظفر .

في هذه اللحظات توفي روزفلت بسبب انفجار في الدماغ ، واستلم بعده ترومان

كانت الجثث تنتشر في كل مكان حتى الجرحى والمصابين كان يتم الإجهاز عليهم ورغم هطول الأمطار الكثيف إلا أن ألسنة النيران أبت أن تخبو وأصبح يدافع عن برلين 10آلاف من أصل 90 ألفا كانوا يدافعون عنها ، وانقطعت الاتصالات بين القيادة والجنود

انتحر غوبلز ورئيس الحرس الخاص بهتلر "شيلدي" ، وتم تفكك الجيش الألماني القوي ففي بلاد البلقان استسلم 400 ألف رجل التابعين لجيش لوهر لأنصار تيتو الذي أذاقهم مر ألوان الثأر وكذلك في النمسا والدانمارك

- بحلول نهاية 1943 بدأت الجيوش السوفيتية بالتقدم عبر جبهة طولها 1300كلم، تمتد من لاتفيا في الشمال وحتى يوغسلافيا في الجنوب.

- بسبب الكثافة البشرية كان يمكن للروس تقديم الكثير من الضحايا البشرية.

- هتلر أمر بالمحافظة على كل شبر من الأرض التي احتلتها ألمانيا، فمنع جنرالاته من التراجع والانسحاب.

- في الفترة من يونيو حتى نوفمبر 1944، خسر الألمان قرابة المليون رجل في الجبهة الشرقية.

- في 25أبريل 1945 التقى رجال الجنرال الروسي كونيف التابعين للجيش الأوكراني الأول بجنود الجيش الأمريكي الأول في تورقاو على نهر الإلب.

- في اليوم نفسه أحاطت جيوش الجنرال كونيف والجنرال جوكوف ببرلين ، حيث كان جوكوف يقود مليونين ونصف المليون من الجنود، وكان تحت إمرته سبعة آلاف دبابة واثنان وخمسون ألف مدفع. بالإضافة إلى القوة الجوية الساحقة.

- مليون و 250ألفاً (بالإضافة إلى المليشية الشعبية و الشبيبة الهتلرية) كانوا هم المدافعين عن برلين وسكانها البالغ عددهم مليوني مواطن.

- من نهاية أبريل وحتى مايو كان السوفيت يتقدمون شارعاً تلو شارع داخل برلين .

- وفي 30 أبريل وبينما كان السوفيت يدمرون رايخه انتحر هتلر وإيفا براون التي تزوجها قبيل ساعات .

- في الثاني من مايو استسلم الألمان للسوفيت بعد أن بلغت خسائرهم العسكرية قرابة المليون رجل، في حين أعلن السوفيت أنهم خسروا 304 آلاف رجل فقط (وإن كان الرقم الحقيقي هو ضعف هذا العدد). في حين أن عددا لم يحصى من المواطنين قد قتلوا في المعارك وفيما بعدها عندما نهب جنود جوكوف المدينة.

     

  1. في 7مايو في ريميز، وفي الثامن منه في برلين نفسها وقع الجنرال جودل والجنرال كيتل الاستسلام الألماني النهائي دون قيد أو شرط.

 

 

الصفحة الرئيسية