غزو الحلفاء صقلية عملية هاسكي

10-7-1943م

 

في العاشر من يوليو سنة 1943 وبعد شهرين من استسلام القوات الجرمانية الإيطالية في إفريقيا أنزل الحلفاء قواتهم في جزيرة صقلية

هذه العمليات أطلق عليها اسم "هاسكي " وقد كانت أول عمليات من نوعها تحدث فوق البر الأوروبي على نطاق واسع . وقد استخدمت لها أكثر من 3200 سفينة تحمل 160000 جندي حتى جزيرة صقلية عبر القنال التي تحمل اسم الجزيرة .

أما الجيش الأميركي السابع الذي يقوده الجنرال باتون فقد هبط إلى البر بين ليكاتا وسكوغليتي ، أما النقطة الوسطى لعمل هذا الجيش فهي جيلا . وأما الجيش البريطاني الثامن الذي كان يسانده جيش كندي فقد نزل عند جانبين من نقطة تقع جنربي الجزيرة بين بوزولوا وسيراكوزا . وكانت تواجه هذه القوات من جانب العدو عشر فرق إيطالية وثلاث فرق ألمانية ونصف جملتها 40000 رجل يقودهم المارشال كيسرلنغ .

العمليات تمت بسرعة ودون أية صعوبة في قطاع جيلا فقط حيث رد الأميركيون هجومًا ألمانيًا معاكسًا عنيفًا بمساعدة مدافع البحرية الإنكليزية . والواقع أن أكثر الإيطاليين كانوا ناقمين في الوقت نفسه على الحرب والفاشية. كانوا يقاتلون ببرود شديد ولإنقاذ المظاهر وحسب . بينما كان هناك ثلاث فرق مشهورة : فرقة هيرمان غورنغ ، الفرقة المدرعة الخامسة عشرة والفرقة الألية التاسعة والعشرون ، تساندها قوات من المظليين وقد بلغ مجموع الرجال فيها 90000 وانطلق باتون إلى الشمال والغرب واحتل كل النصف الغربي للجزيرة في ثلاثة أسابيع . وأما جيوش مونتغمري فقد واجهت مقاومة ضعيفة عند رقاب الجسور واحتلت مرفأ سيراكوزا بالسرعة المطلوبة . ومن هنا بدأت متاعبهم حقًا . كان الهدف الرئيسي للحلفاء هو ميناء مسينا ، هذه الميناء تقوم على المضيق الذي ينتهي مباشرة إلى إيطاليا وهي طريق . التموين الوحيد أو طريق أي تراجع محتمل . وهناك أربع طرق تقود إلى هذه الميناء ، واحدة من باليرم على امتداد الشاطىء الشمالي ، ثانية من سيراكوزا على امتداد الشاطىء الشرقي والطريقان الأخريان تلتقيان عند راندازو مرورًا بتروانو وأدرانو . واتخذ الجيش البريطاني الثامن طريق سيراكوزا . وبما أن هذه الطريق كانت الخطر الأكبر على مسينا فقد وضع فيها الألمان أكثر قواتهم . يضاف إلى ذلك أن طبيعة الأرض كانت لمصلحة المدافعين . وقد توصل النازيون إلى تجميد قوات مونتغمري خلال ثلاثة أسابيع بعد أن ثبتوا حول جوانب "إتنا" الذي كان يسيطر على سهل كاتان بقمته التي ترتفع 3700 مترًا . وجاءت إلى مونتغمري نجدات من قوات الجبال التي سبق لها أن قاتلت في تونس . وهنا أطلق قوات من جناحه الأيسر على السفوح الغربية لأثنا . واتخذت هذه القوات طريق أدرانو بينما كان جناحه الأيمن ينطلق على امتداد الشاطىء الشرقي للجبل البركاني . والواقع أن الألمان قد استطاعوا الصمود بقسوة وقوة رغم قلتهم العددية مدافعين عن كل شبر من الأرض ومصممين على إنقاذ أكبر عدد من قواتهم في صقلية. وقد كانت مقاومتهم من الشدة والعناد بحيث أن باتون قد حاول عدة مرات أن ينقض على الألمان من الوراء بعمليات إنزال صغيرة لغرض اجتياحهم ومكاثرتهم .

والواقع أن الظلمة الشديدة وأن ستارًا كثيفًا من المدافع المضادة للطائرات قد ساعدا الألمان على إنقاذ 60000 من جنودهم الذين كانوا يعدون 90000 وتم عبور كل هؤلاء الجنود إلى الشاطىء الإيطالي عبر مضيق مسينا.

وفي 17 أغسطس أي بعد معركة استمرت 39 يومًا استطاعت قوات باتون ومونتغمري الدخول إلى مسينا وتم احتلال صقلية وخسر الحلفاء 31000 رجل بين قتيل وجريح ومفقود . أما الألمان فقد خسروا 37000 بينما خسر الإيطاليون 130000 .

هكذا بلغ الحلفاء أغراضهم في صقلية بعد حرب قصيرة ولكنها عنيفة : وتم استيلاء الحلفاء على المتوسط كممر لخطوط التموين عبر قناة صقلية . وقناة صقلية كما نعلم هي المنطلق الذي تغزو منه القوات الحليفة البر الإيطالي .

 

وبعد أسبوعين من نزول القوات الحليفة في صقلية وبينما كانت المعارك الحربية على أشدها حدث انقلاب في إيطاليا أطاح بزعيمها بنيتو موسوليني . لقد اجتمع المجلس الفاشسشي الأعلى في الرابع والعشرين من يوليو لأول مرة بعد عشرين سنة من آخر اجتماع عقده ، ولأول مرة في تاريخ إيطاليا الفاشستية خسر موسوليني أكثرية الأصوات فحصل على 7 مقابل 19 . وهنا بادر الملك إلى تكليف المارشال بادوليو لتأليف حكومة جديدة ، وقد حاول بادوليو توقيف موسوليني ونجحت محاولته كما أرسل رسلاً إلى قيادة الحلفاء لدراسة شروط الهدنة . وقد استمرت المفاوضات بين شهر يوليو وأوائل سبتمبر وسجلت المفاوضات خطوة إلى الأمام ، وقد حاول الإيطاليون الحصول على شروط ملائمة للصلح خير من الاستسلام دون قيد أو شرط

في هذه الأثناء حاول أيزنهاور الضغط على بادوليو فأرسل سربًا من الطائرات القاذفة للإغارة للمرة الأولى على روما وقد كان ذلك أيضًا بسبب الخطة الموضوعة التي تقرر بها النزول في ساليرنو في 9 سبتمبر. وفي 3 سبتمبر تم التوقيع على هدنة سرية في مدينة سيراكوزا في جزيرة صقلية .

والواقع أن بطء الاتصالات والمفاوضات منح الألمان فرصة انتزاع المبادرة . بحيث أن الألمان استطاعوا بعد إعلان الهدنة أن يستولوا على كل النقاط الاستراتيجية في إيطاليا كما احتلوا روما ووادي "بو" الصناعي . ولم يتردد الجيش الألماني في نزع أسلحة ثلاثين فرقة إيطالية كانت موجودة في شبه الجزيرة كما استحضر25 فرقة ألمانية مكان الفرق الإيطالية الخمس والعشرين التي كانت تحرس بلاد البلقان . وبذلك كان الجيش الألماني يلقي على قواته غير الكافية بالطبع أعباءًا إضافية .

وفي 12 ديسمبر 1943م وبعد مغامرة جريئة ، استطاع "أوتو سكورزيني " بواسطة طائرات شراعية أن يهبط إلى مكان اعتقال موسوليني فأخرجه من الفندق الذي وضع فيه تحت الحراسة "آبروز". وهنا ألح هتلر على شريكه أن يؤسس جمهورية فاشستية في الجزء الإيطالي المحتل من قبل الألمان . وعلى ذلك فقد شعر الحلفاء أن احتلال إيطاليا بسرعة وهدوء أمر غير ممكن ولا محتمل فيما بعد . ومع ذلك فقد كانت لمعاهدة الهدنة الإيطالية نتائج هامة . ليس فقط لأن القوات الإيطالية المسلحة قد وضعت أسلحتها بل لأن الطيران والبحرية التجارية ثم بحرية الحرب قد انتقلت كلها إلى معسكر الحلفاء .

وفي ليل 8 سبتمبر غادرت الأسراب الإيطالية قواعدها في جنوة ، وسبيزيا وتارانت متوجهة إلى مالطة . وقد أغرقت القاذفات الألمانية طرادًا إيطاليًا وأنزلت أضرارًا بطراد آخر، ولكن القسم الأكبر من الأسطول البحري انضم إلى الحلفاء وكان يضم هذا الأسطول 5 دوارع و 7 مدمرات و 6 طرادات .

تبقى جزيرتا كورسيكا وسردينيا وقد تم احتلالهما بسرعة . ومن كورسيكا بدأ الفرنسيون يستعدون : لقد أنزلت بحريتهم قوات مسلحة في أجاكسيو حيث كانت المقاومة قد بدأت تعمل وتكافح . وقد طرد الألمان من الجزيرة بعد 15 يومًا جرت فيها معارك عنيفة .

أما في إيطاليا فإن الألمان لم يجدوا أي ضرورة في الحفاظ على مواقعهم لا سيما وأنهم قد انتزعوا كل ما كانوا في حاجة إليه لمتابعة قتالهم ضد الحلفاء .

وإذا كان تشرشل لا يرى أمامه غير الخطر الشيوعي فإن كثيرين غيره كانوا يتخوفون من أن يعود الحلفاء إلى ارتكاب أخطائهم في أفريقيا الشمالية بمساندتهم لعناصر مؤيدة للفاشستية وللأوضاع التشريعية السابقة . وفي كل حال قبل الحلفاء أن يعود الإيطاليون إلى المعركة ولمصلحتهم في هذه المرة . وفي 13 أكتوبر 1943 أعلنت حكومة بادوليو الحرب على ألمانيا حليفتها السابقة .

 

معلومات سريعة :

- دور المافيا في احتلال الحلفاء لصقلية لم تتم تغطيته بشكل واضح، فقد قيل بأنه بناء على أوامر رئيس ألمافيا الأمريكية سلفاتور (لكي) لوشيانو، ضمن رئيس المافيا في صقلية (دون فيزيني) [1877-1947] دعم المواطنين للحلفاء الغازين.

* - في مؤتمر الدار البيضاء اتفق تشرشل وروزفلت على أن تكون الخطوة الأولى للعودة إلى أوروبا هي في غزو صقلية (العملية هسكي).

     

  1. في العاشر من يوليو، قام الجنرال الأمريكي باتون بالنزول على جنوب صقلية مع جيشه السابع، أما مونتغمري فنزل بجيشه الثامن على جنوب شرق صقلية. كانت قوات المحور تقارب 230 ألف، ومع أن مقاومة الألمان كانت عنيفة إلا أنه بحلول 17أغسطس استطاع الحلفاء الوصول إلى (ميسنا) الواقعة في الشمال الشرقي من صقلية. وفي هذا الوقت تم إجلاء 100ألف ألماني من صقلية. لكن انهيار سلطة موسوليني في إيطاليا جعلت عملية الإنزال في إيطاليا أسهل على الحلفاء.

 

الصفحة الرئيسية